صبي تمدد بينما كان العالم منشغلًا.

بينما كان العالميجمع صبيته، ويمنحهم آباءوبينما كانت الشاحناتتُحمّل الأطفال في صناديقهالتوزعهم على المنازل..بينما الأمهات كُن يغزلن الشمسقمصانًا..لأطفالهن القادمينأطفالهن الذين سيطرقون البابفي أية لحظة..وبينما كان الآباء يجمعون في خزاناتهمكراتٍ وكتبٍ وشرائط ورديةوأسماء غير مكررةوأحذية لكل أعياد الميلاد..بينما كان الأطفاليُمنحون قبلًاوهداياوقصصًا قبل النومبينما كان الأطفال يكبرون..وأيد كثيرة تمتدلتلبسهم الجواربتوقظهم في السادسة صباحًاتعد لهم الفطورتبدل قلوبهم المعطوبة تصفق…

دائمًا هنالك وقت.

(للشام، كل الشام.. هذه المرة.) دائمًا هنالك وقتلأن تحصي خساراتكحتى وأنت تركض مذعورًالتختبيء كجرذ في إحدى المزابلراجيًاأنت تسقط القذيفة في الجهة المقابلة.لا أحد يتمنى أن تسقط القذيفة فوق رأسه..حتى أنتأنت الذي طالما غنيت للسلام والأطفال والياسمينأنت الذي كلما رأيت شهيدًا قلت في نفسك: ليتني كنتُ مكانه.أنت الذي كلما رأيت طائرة تجوب في السماءكنت تسمع قلبك…

حتى لا نظهر كندبة على جبين العالم..

لحظة من فضلكأيها العالمإمنحنا دقيقة واحدةلنغسل الدم عن وجوهنالنلون زرقة أيدينا وأقدامناولنبحث بين أكوام الركامعن ملابس أنيقةلنعيد تصفيف شعورنا كما يجبحتى نسهل الأمر على وكالات الانباءالتي تحاول أن تثبت للعالم أجمعأننا بخير تماماوأن على الناس أن يلتفتواللثقوب السوداء،مواسم الجفافوأنواع الحيتان المهددة بالإنقراضبدلا من أن يثيروا ضجة كهذهلمجرد أن بلدة صغيرةشطبت من على الخارطة..لحظة من فضلكأيها…

طفل يتاخر دومًا..

أما أنا..فمن بين كل الأطفاللم يتبعني القمر يوماإلى المنزللم توقظني الفراشات كلما كنت أغفو على العشبلأنهض راكضا خلفهالم تصر أسناني اللبنيةنجوماولوحت لي من بعيدوحين كنت أتأخر في العودة ليلالم يكن رجال القريةيحملون مشاعلهمويخرجونهاتفين باسمي..لقد كنت أتاخر دائماعن كل شيء تقريبامثلاكل صباحكنت أحضر للمدرسةوالجميع يصعدون إلى فصولهموحين كنت أعود للمنزل في الظهيرةكانت العائلة، في الغالبقد انتهت…

جنين يشعر بالذنب.

كانت ليلة باردةحين ولدتورغم أني كنت صغيرة جداإلا أننيأستطيع أن أتذكر بوضوح شديدكل ما حصل حينها،تقريباكان الوقت في الصباححين سطع الضوء على وجهيلأول مرةأذكر أن أمي كانت تصرخ طوال الليلوتشتمني بغضبأذكر ذلك جيداليس لأنها ظلت،تذكرني بهذه الليلة طوال حياتيكلما تشاجرنا شجارا بسيطابل لأنني بالفعلسمعت كل شيء حينهاسمعته جيدا..كنت أرتجف كقنفذ من شدة الخوفكنت مكومة ومنزوية…

عندما قررت فتاة في التاسعة عشرة أن تقول الحقيقة.

وضعتني أمي جنينًا ميتًاورغم أن هذاكان واضحا جدًاإلا أن الجميع،عوضًا عن أن يقيموا لي جنازة لائقةأخذوا يطلقون الزغاريدواحدةوراء الأخرى..اختاروا لي أول اسم طرأ على أذهانهمزينوا أذني بالأقراطوأقاموا حفلة بسيطة..وخلال السنوات القادمةوجدت أمي شيئا جديدًاتنشغل بهشيئا جديدايشعرها، تقريبا.. بالسعادة:أن تشتري لي حذاءًبمقاس أكبر..أما أنا،فشيء وحيد حاولت أن أخبر أمي بهوأنا أنزل من الباصوأنا أصعد درج المدرسةوأنظر…

بعيدًا عن المنزل.

بعيدًا عن المنزلو حيث تغطي رقائق ثلج صغيرةحَرَج العالمالذي لا يعرف ماذا يفعلبرأسه القاحلةكلما نظر لوجهه في صفحات الماءوأدرك أنه يتقدم في السن.بعيدًا عن المنزلحيث الشتاء ما يزال في أولهوحيث العالميغلق أبوابه على صخبهويجلس قرب نفسه بهدوءمصغيًا إلى صمته..بعيدًا عن المنزلحيث يكسو الدفء واجهات النوافذوحيث الألفة التي تتضاعف–حين تجتمع العائلة حول مائدة الطعام– تتغلب على…

خنازير برية تصعد منصة إعدام..

كان يتم صيدنا في الشوارع كخنازير برية كنا نقاد في العربات المصفحة إلى الأقبية والمسالخ مفقوئي الأعين والقلوب مكومين فوق بعضنا، كشحنة من الدجاج المجمد كان يتم ضربنا، صفعنا، سكب الماء المجمد علينا في الشتاء وصعقنا بالكهرباء وحين كنا نلقي آذاننا كحصاة صغيرة من فتحة التهوية لم نكن نسمع أحدا في الخارج يهتف باسمنا لقد…

جراء صغيرة تبحث عن مخرج.

ولدنا في خنادق..بينما العالم في حروبه وقلقهوأغنياته الكثيرة التي تمجد الطاغيةولدنا، هكذا، على عجالةجراء كثيرةسطقت فوق بعضها كرصاصات فارغةمددنا أيدينا للسماءولم يلتقطها أحدبكينا في المساء طويلاولم يكن بكاؤنا يزعج أحدانشأنا دون أمهاتتعلمنا الحبو وحدناوفي الأنفاق الطويلة الممتدةواصلنا الحبو بحثا عن ضوءمنا من صارت له مخالبأوأنيابأكلنا بعضنا بعضا في أوقات جوعناوحين كان ينهك احد منّاكنا نتركه،ونمضي..تركنا…

“إلى الشهيدة رقم 2935.. رحاب تقريبًا”.

إلى المهندسة رحاب علاوي التي قتلت تحت التعذيب في سجون الأسد.. عربات كثيرةمحملة بالجثثتجرها الخيول إلى مكان بعيد عربات كثيرةتتدلى منها أيد وأقدام مدماةورءوس ممتلئة بالأحلاموعيونتحت جفونها.. نظراتٌ كثيرة. عربات كثيرة تمرملائكة وحفارون ومصابو حرب وناجونيجمعون الجثث من فوق التلالمن غرف المنازلمن فصول المدرسةمن الباراتمن السجون،من قاعات المحاكموالحدائق العامة.. يلتقطون الأطراف من فوق الأغصانيسحبون الأطفال…

لا أعرف كيف أحبك دون أن أؤلمك.

أعرفأن لحبك حين يخترق قلبيملمس النورحين يخترق أصابعي في الصباحبهدوءيتسلل إلى كل خلية في جلدييصافح كل قطرة دم في العروقويمشي في أوردتي,كما يمشي ماء قليل باردفي وادٍ ضيقيملؤهدون أن يزيح الحجارة الصغيرةالتي تستريح في أعماقهودون أن يلويعنق الورودالتي نبتت ببساطةمن أحشائهكأنها أبناؤه الصغارأعرف كيف أمسكُ بقلبكلأعبر الحياةكأن قلبك مصباحأدفعه أمامي وأسيركقمر في يديأكنس بضوئه الخافتعتمة…

يا أجيالنا القادمة.

اسمعوا اسمعوايا أجيالنا القادمة أنتم، أيها المحتلون الصغار الذين سيجلسون على مقاعدناكأنها مقاعدهميستخدمون أشياءنايبنون منازل فوق أراض نملكهايجدون صورنا القديمة ورسائل حبناثم يركلونها بضجر..كشيء قديم ومتكرر. أصغوا ليعلى الرغم من أنكمستكونون غير شغوفين بناواذا ما سمعتم صوتالشاعر من زمن مضىيصرخ: اسمعوني يا أجيالنا القادمة فإنكم لن تبالوا به..لن تتهافتوا نحو صوتهالقادم من بعيدتعبا ومتقطعاكأنه صوت…