“تحت جسر مشاة، أحرق الرسام قلبه/ امرأة زرقاء تزعَق في رأسي”

( إلى الرسام.. والمرأة الزرقاءالتي تزعق في رأسيوطبيب التخدير.. ) أغْلِق البابأَغلِق البابظل امرأة زرقاء يزحف نحوي.. كل ليلة يصير العالم خفاشًا ويجثم على صدري.. صوت صراخيمجرد كابوسصوت صراخي كابوس آخر. أغْلِق الباب قطيع من البشر السعداء يتمايل في الخارج أَحْرِق العالم قطيع من البشر السعداء يضحك في الخارج.. هذا يجعلني حزينًابشر يضحكون بشر يطلقون…

(أن تكون شاعرًا.)

أن تكون شاعرًا؟إنه أمر تتحدث عنه،بالطريقة ذاتها،التي تستخدمها لوصف اضطرابك،وفزعك من خطوط يديكوالخجل الذي يصاحب صوتكحين تعدد مرات انتحارك،وتشكولحشد لا تعرفه،من ذاتك الأخرى،التي تحاول أن تقتلك..أن توسم بالغريبالذي يمشي على ضوء،ويجرحه الهواء البارد حين يمرالذي يحدق في خدوش الجدارويقول:من هنا تخرج القصائد..من مكان في قلبي،يشبه هذا.أن تكون شاعرًا؟جرب،– قبل أن تتباهى بذلك-أن ياتيك الشعرفي مكان…

كما لو أن في الأمر مزحة ما../As if this is some kind of joke…

أطرق باب حياتي وأدخل، كل شيء يبدو معتمًا كما لو أن في الأمر مزحة ما.. موتى كثر يجرون جثثهم داخل رأسي.. موتى كثر يبترون أعضاءهم ويزرعونها ظلالا سوداء في رأسي.. جسدي أزرق.. وأصدقائي يدفونني سرا في الليل ويغلقون الباب وراءهم.. تخيل أن تكون حيًا ويدفنك شخص ما؟ أصدقائي.. يكنسون حياتهم.أنا البقعة السوداء في مراياهم الصافية…..

( خرج للدهليز، وبكى بكاء مرًّا/ الإصحاح السابع والعشرون).

” نفسي حزينة جدًا حتى الموت، ابقوا ههنا، واسهروا معي”- يسوع. خرج للدهليز وبكى بكاء مرًا.. كان الليل حالكًا والقمر غمامة سوداء.لكنه كان يشع حزنًا وكان، لسبب لا يعرفه يشم في الكون رائحة وداعاتٍ كثيرة.. ويرى الصبح ينتحب الآنفي الطريق إلى البلدة. اسهروا معي،قال..  أحس أن الموت يشبه حزنًا عميقا وأعرف أن الجحيم ليس سوى…

وكان صوت حياته القديمة.. يرنّ في ذاكرته.

قال: لا أذكر أي شيء كنته، قبل أن أصير ظلًا. وقف أمام المرآة، عاريًا.. عاريًا تمامًا. مثلما ينبغي لظلٍ أن يكون. أخذ يقلد كل الأشياء.. صار كرسيًا وقال: لا أذكر رائحة الخشب القديم.. لم أكنه. صار مشجبًا وأخذت المعاطف تتدلى من رقبته. صار بابًا، وأخذ يغلق كل حين، دون أسباب واضحة.. صار ستائر لا تمنع…

في الظل، وراء الباب الموارب.

إلى آندري تاركوفسكي. في الظل وراء الباب المواربينكمش طفل معتم.. حدود جسده الباهت تتماهى، مع الليل المسكوب في الأرجاء. ذرات الهواءتتشرب ظلًا عتيقًاوتنتشر حول الجسد الصغير.. الضوء يتساقط كالندىعلى الممرات الطويلة فوق الجسد البارد.. عين خافتةتبرق، من وراء الباب الموارب. عين أخرى في الظلتبدو، كثمرة كرز ذابلة. وطن بعيد يشرد، في العيون المحنيّة..مركب شراعيّيراقب انطفاء…

والعربات في الخارج، جاءت لحمل جثتي.

عندما أموت، أريد أن اصير قاربًا..و أبحر في الزرقة. أريد، -أنا اليباس، المعجون من حزن الأرصفة، وصفعات الأمهات الخشنات، والخطوات الوحيدة-أن أصير غروبًاو أبحر إلى نفسي. الآباء حجزوا قبورنا الرخامية، والأمهات اخترنألوان التوابيت. ورد الجنائز جاهز للقطف.. والعربات في الخارج جاءت لحمل جثتي. خطوات كثيرة وراء الباب الموصد. ولا أحد علّم الجثثكيف تفتح أبواب المشارح..كيف…

اخرج الآن، أيها الوحيد../ Come out now, lonesome one.

اخرج الآن، أيها الإنسان الوحيد.. البشر صاروا شواهد قبور. المصابيح المكسورةأخفت عذاباتها والعالم الذي لا تحب.. يزرحفي العتمة. اخرج الآن، أيها الوحيدالنجوم البعيدة انطفأت.. الدرب خاليةمن الخطوات القديمة. و الأمهات.. أيها الوحيد،صرت كذبات بيضاء.. و أنت لم تسقط من هاوية، لست تاريخا ولا شعبًا، لست امتدادًا..إنك الجوع الكاملللوحدة، و أنت الضوء الذي يُبعثمن نفسه.. اخرج…

ما يشبه التعب البسيط..

سأجيء عند حلول المساء، بعدما يتحلل هذا الجسد في القبر الرخاميّ.. سأصير فضاء أزرقًاوأطفو فوق المنازل. سأصير رياحاًأو صبيًا يعدوبين الأحراشبحثًا عن الشمس..  سأصير جذعًاوأبحثعن الوطن القديمِ عن صوت تكسّر جرار الطين.. عن الآباء الراحلينخلسةبثياب النوموعن بقعة أرضٍتتمدد فيها جذوري..  سأجيء من البلاد الباردة لأتساءلعن الصحراءالتي منحتنا حروبًا وآباءً قساةو جلودًا سمراءو قوارب للأمل.. والغرق.  سأجيء لأسأل الأصدقاءعن ليالي الوحدة الطويلة وعن المعاصمالتي ربّت الإنتحاراتوالقصائد الحزينة.. سأجيءلأسأل…

دعني أتشرد.

خذ معولًاواضرب عميقًافي قلبي،اقطع جِذر هذا الحزن..خذ معولا أكبر واضرب جذر رب البيت، شرد هذي العصافير الحزينة..دع هذه الأغصان تتهاوى..ودعني أتشرد. دعني أجرب كيف يكون دفن الأم وكيف الحياةدون أبٍفي الصورة.. دعني لا أموت طيرًا دافئًالم يجرب الطيران ولم يعرف كيف ترف الأجنحة..  دعني أموتأمام المداخل أو في المداخن،أو قمرًا ضائعافي الثلج..  دعني أجرب كيف يكون اليباس.. وكيف يكون الغرق..  دعني أجرب كيف ينام الوحيد وكيف يبدو نوم الخنادق أو نوم الأرصفة.. …

و حياتنا، يا إبن العمِّ، مثقوبة.. لا تُبحر.

ليس لدينا أمهات،بل خطاياحصى فوق الدروبو ملح، في الجروح القديمة.. ليس لدينا أصدقاءبل صدى طويل، بعد ندائنا..و أطيافتغادر و لا تعود..و مقاعد، نُعيرها للعابرين.. و نهايات فارغة، للإنتظارات الطويلة.. و ليس لدينا آباء، يا ابن العم.. بل ذكريات قديمةعن أناسجالسين عند البحر، أناس غادروامع البحر..أناس مثل قواراب الصيد القديمة تشرد في كل بحر، مثل الغيممثل الأسماء الضائعة..أناسمثل قوارب الصيد القديمةلا تعود…

الإنسان الأكثر شبهًا بكرسيٍّ مدولب..

1- لم تكن له أقدامحين ولد، بل شرائط ملونة.و لم يكن يعرف أن للإنسان قدمينيسير بهما..لذا، كان يظن نفسههدية..و كل عيد كان يربط شرائطهو ينتظر أن يفتحه أحد.. 2- لم يكن يعرف أيضا أن شخصا ما أوجدهو كان يصدق حكاية قديمةعن لقلق، يحضر الأطفال من صدفات البحر.. و كان يظن أن النوم يعني العودة إلى الوطن القديم..  و كان وطنه…