رسالة لماما.

ماما وأنا، السعودية، 1996 أو 1997.

ماما.. دورت على مكان في كل مكان، بس الحقيقة إني كنت بدور على مكان في قلبك. لما بتحبيني الكون كله بيحبني، بقالي يومين بحلم إنك معايا، وبتحبيني، وبتحضنيني، كان شعور حلو.
يمكن بتحبيني، أو أكيد بتحبيني، أنا بس مش حاسة، لكن لما بحس، بلاقيه شعور حلو.

أنا كمان بحبك، إنتي ماما.. وأنا في سنة تانية في معهد فنون مسرحية لما جارتي كانت بتاخد بالها مني وبتسأل عني، إنتي قلتيلي” خلاص لقيتي ليكي أم تانية” وكنتي زعلانة، صوتك كان زعلان. أنا وقتها استغربت أوي، كنت عايزة أقولك انتي ماما. الواحد ما بيبقاش ليه أم تانية وتالتة مهما حاول، هي أم واحدة بس. وقتها أنا سكتْ، وكان نفسي أوي أقولك انتي ماما وأحضنك، بس سكتْ، وانتي فكرتي إني فعلًا لقيت أم تانية.

دلوقتي عرفت إنك كمان كنت خايفة تخسريني، وإنك برضو حاسة إني ما بحبكيش، وإني قادرة، وبدوس على مشاعري، دا نفس الكلام اللي بقوله عنك! بس أنا برضو بعمل كدا، أنا وانتي ماعرفش اتعلمنا دا منين.

سبت البيت وعشت لوحدي خمس سنين وفضلت كتير ما بسألش عنك، كنت باجي وبروح، ومع الوقت بقى فيه بينا مسافة أمان، مش قريبين بس مش بعاد، بكلمك تقوليلي أطبخ ازاي وبشتكيلك ساعات، بس برضو كنت لسه خايفة، كنتي موجودة وبتحاولي، بس كل المحاولات دي ماخلتنيش أبطل أخاف.. وأنا كنت عايزة أبطل أخاف، وقلت لو خايفة أخسر حاجة خليني أخسرها وأشوف.. يمكن أبطل أخاف. ومشيت فجأة، كل الناس ما فهموش، الصورة من برا كانت حلوة، شكلنا كان حلو، حياتنا كانت حلوة، كان ممكن أكمل أعيش كدا وخلاص. بس ماقدرتش، كنت عايزة أمشي وأقطع الحبل اللي بيخنقني دا.. قلتلك اني همشي واتخانقنا خناقة كبيرة، أنا كنت غضبانة لدرجة إني ماقدرتش أقولك سلام، كنت عايزة أمشي! كنت خايفة تحبسيني وتاكلي فيّا لحد ما أموت، زي لما القطة بتاكل ولادها من الخوف عليهم. بس أنا كنت بخاف منك أكتر ما كنت بخاف من الحياة، حتى وانتي ساكتة مابتعمليش حاجة، حتى وانتي قاعدة بعيد بتلعبي مع القطة.

سافرت فجأة. أكيد فكرتي ازاي سافرت أوروبا وما بصتش ورايا ونسيتك و٨ شهور ما رفعتش عليك سماعة تليفون، الغريب إننا برضو فكرت إزاي واحدة بنتها في الغربة و٨ شهور ما تفكرش تكلمها، وكنت بقول يعني لو أنا ماتصلتش هي ما تتصلش؟ أنا كنت خايفة، بس ممكن إنتي كمان كنتي خايفة، إحنا الاتنين كنا خايفين.. كنتي خايفة أرفضك زي ما أنا كنت خايفة ترفضيني، كنا بنرفض بعض طول الوقت، عشان بس مش قادرين نقول بحبك وخليكي!

عموما حتى خليكي وقتها مكنتش كفاية تخليني، لأني كنت زعلانة أوي، زعلت عشان عرفت واحد شبهك، بيعاملني زيك.. رجعت البيت وشفت وشه فيكي، فكرهتك، أو يمكن بس غضبت، وزعلت أوي.. زعلت عشان بكررك في الناس، بختارهم شبهك، بختارهم بيرفضوني. ولقيت إنك علمتيني طريقة وحشة أوي في الحب يا ماما، علمتيني الحب اللي مش حب، علمتيني أي حاجة إلا الحب، يعني إيه حب؟ صدقيني مش عارفة، وبحاول أعرف.

بس دلوقتي أنا مش زعلانة، انتي كمان محدش علمك، انتي كمان ماتحضنتيش، انتي كمان اترفضتي كتير، واتجوزتي واحد مابيقدركيش، ومابيحبكيش، وبيرفضك.. أنا آسفة يا ماما، معلش.. بتمنى تلاقي الحب، ينفع أنا أحبك طيب؟ انتي كمان طيبة وحنينة، بس بقيتي مش عايزة تحسي، أوقات الإحساس بيوجع، حتى لو حب. الوجع شبه الحب، أو يمكن دا اللي اتعلمناه؟ مش عارفة، بس انتي برضو كنتي بتعملي أكل حلو، يمكن دا كان حب.

بتوجعيني يا ماما، بتوجعيني.. بس أنا اخترت أفضل حاسة بالوجع دا طول الوقت، يمكن أصدق إنك معايا. الوجع بيفكرني بيكي. أنا آسفة لو أنا كمان بوجعك، حتى لو ما بتحسيش بيه. حتى لو أنا مدفونة تحت حاجات كتير مدفونة.

من يومين كلمتك، قلتلك وحشتيني وقولتيلي خلي بالك من نفسك، وزعلت كتير عشان ما فيش بينا كلام، كنت عايزة أفتح أي كلام، بس مافيش، قولتيلي خلي بالك من نفسك، وقلنا سلام..

سلام يا ماما.

يومها عيطت كتير أوي، كنت دايمًا بستنى تجري عليا وتكلميني كتير، بس أنا برضو مابعرفش أجري عليكي، وكلمة وحشتيني قلتها بالعافية، مكنتش راضية تطلع.. يومها قلت انتي ما بتحسيش، بعدين بصيت لنفسي، مليانة عياط بس ما بقولهوش، قلت يمكن هي كمان عيطت، بس ما قالتليش.

في اللحظة دي حبيتك، وحسيتك بتحبيني، قلت خلاص لازم أبطل أتوقع تحبيني بالطريقة اللي بتمناها، يمكن دي طريقتك، يمكن بجد بتحبيني!
ليلتها حلمت بيكي، ولأول مرة أكون معاكي في حلم سعيد، أكون سعيدة وتكوني سعيدة.. كنت بطير وبقولك ماما شوفيني بطير! وكنتي بتشوفيني بطير.. وبتأكليني بسبوسة وكنافة، كنت طفلة سعيدة مع أمها! يومها حسيت بالحب، كإنك معايا، كإنك حضنتيني، كانت لحظة ياماما.
وقتها حبيت نفسي، حبيت نفسي أوي وحسيت إني حلوة وحبيت الدنيا وحبيت الحب. وقلت لو عايشة بالاحساس دا حياتي هتبقى مختلفة، وقتها عرفت الحب وعرفت إنه مش وجع.

بس راحت اللحظة دي ورجع الوجع تاني، ومش فاهمة ليه، بس مش مهم، ما بقتش عايزة أقول ليه تاني.
مش هقولك ليه تاني، بس عايزة أقولك شكرًا، بدل كل ليه هتلاقيني بقولك شكرًا، عشان حضنتيني في الحلم وحبيتيني. عشان البيبان اللي فتحتيها عشاني وعلى البيبان اللي مافتحتيهاش.. عشان كل مرة لما مكنتيش بترضي تفتحيلي باب وانتي قادرة تفتحيه، كنت بحاول أفتحه بنفسي، كان بيبقى صعب بس كنت بحاول. كنت بشوفك بتفتحي الأبواب لكل الناس، وتيجي عندي تقوليلي أنا ماأمشيلكيش في طريق. ومكنتش فاهمة، بس مش مشكلة، عشان اتعلمت أمشي، وأجري، وأفتح كل الأبواب، ولو الطريق مش موجود اتعلمت أعمل طريق. والناس بتسألني ازاي؟ بقولهم أمي، هي السبب.. شكرًا عشان علمتيني إن الحياة تحدي كبير.. بس انتي برضو يا ماما علمتيني إن الحب مش سهل، وإن الحب تحدي، ومش هلاقيه، لما الناس بتحبني بستغرب، مع إن أنا أتحب يعني! بس بستغرب، بحاول ما أستغربش، بحاول أحس بالحب، وأعرف إنه حقي، انتي كمان يا ماما تستاهليه.. الحب حقك.. انتي كمان جميلة وطيبة وتستاهلي تتحبي.

بتشوفيني برقص وسعيدة وبسافر، أنا بس بحاول أنساكي، بس مش عارفة، كنت بصور كتير عشان تشوفيني، عشان مش قادرة أكلمك وأقولك ماما شوفيني وماما دول صحابي وماما أنا هنا.. بس أنا هنا، وأوقات بحس إني هموت من كتر الوجع، وإني نفسي أرجع تاني، أرجع للأول جدًا، ببقى عايزة أتدفن، بس لما أتدفن هبقى برضو بعيد عنك، مش عارفة أعمل إيه.

المشكلة إن المشكلة مالهاش حل، أنا جنبك كنت بحس إننا خايفة أوي، حتى وإحنا بناكل وبنضحك، حتى وأنا بعمل معاكي المحشي، كنت بحس إني خايفة خوف قديم.. كنت بخاف منك أوي وأنا صغيرة والخوف دا مارحش لأي مكان.

لما كبرت لقيت إنك برضو خايفة، وإنك برضو عايزة ماما.

ماما أنا بحبك، ينفع أكونلك ماما؟

بتوحشيني يا ماما، وما ببقاش عارفة أعمل إيه.. ببقى عايزة أنزل أجري في الشارع.

أنا في فرنسا، الدنيا حلوة.. بس بعيط كل يوم، بعيط أوي عشان أنا بعيد عن ماما. بس وأنا جنبك كنت بحس إني بعيد عن ماما برضو، وإني عايزة أنزل أجري في الشارع، وكنت بعيط كل يوم برضو.. مش فاهمة، مش عارفة.
بس دلوقتي عارفة إننا وإنتي يا ماما عايزين ماما.

أقولك حاجة يا ماما، ينفع تبقي بنتي؟

مش عارفة
مش فاهمة

بس بحبك

كنت غضبانة كتير، واتخانقت كتير. انتي فكرتي اني بكرهك، أنا بس كنت محتاجة لحبك ومش عارفة أطلب دا ازاي، بس لما هنتخانق احنا هنتكلم، كنت بتخانق معاكي عشان عايزاكي تكلميني، بس كنت صغيرة ومش عارفة ازاي أقولك حبيني، وكلميني!

مش عارفة أعمل إيه في الدنيا، كنت عايزة أروح بعيد جدًا، ورحت بعيد وأوقات ببقى مبسوطة، بس وبعدين؟ فين ماما.

مش مشكلة، بكرا الشمس هتطلع.

حاجات كتير بتفكرني بيكي.
السما بتفكرني بيكي

أوقات ببقى نايمة في بيتي في فرنسا، تحت الشباك، وببص للسما، وبحس إني في بيتنا في التجمع، اللي كنت بروحه في الإجازة وفي العيد.. البيت بالنسبالي كان انتي. ببص للسما وبفتكرك، هي نفس السما.. وبحس إني هسمع صوتك جاي من برا الأوضة كمان شوية، بتسأليني أكلتي؟ أنا مش عارفة ليه رحت بعيد أوي كدا.

أقولك حاجة؟ أنا في فرنسا حاولت أقفل على نفسي كل باب ممكن يرجعني، عشان كنت غضبانة أوي، وكان فيه ألف طريقة تانية، بس أنا كنت عايزة أقفل على نفسي أي طريق للرجوع..

بحاول أبدأ من الأول، بس مش سهل. الأول مرة واحدة، أنا من وقت ما اتولدت وأخدوني منك ومارضعتنيش، ماحبتنيش، وأنا بحاول أبدأ من الأول، يمكن في مرة منهم تزبط ولما أتولد مايبقاش صعب ولا يبقى إنك هتموتي، وأنا مابقاش عيانة وهموت برضو وياخدوني منك! وما أبقاش بفكرك بالموت.

أبقى بنت عادية مولودة لأم عادية ماحدش فيهم كان هيموت ويفضل الموت ما بينّا بتفكريني بيه كل شوية! يمكن في مرة أتولد عادي وتحبيني عادي.. ونبقى أم وبنت بيحبوا بعض.. عادي.

عادي يا ماما
عادي

مش ذنبك
مش ذنبي
مش ذنب حد
ومش مشكلة

اللي حصل بقى
ما تزعليش

متأسفة إن دا كان قدرنا، بس برضو سعيدة عشان أنا قدرك وانتي قدري، حتى لو قدرنا صعب، مبسوطة ان انتي أمي، وأنا بنتك. سامحي نفسك، وسامحيني، أنا مسامحة نفسي، ومسامحاكِ.. بحبك حتى لو مش عارفة يعني إيه الحب، وعارفة إنك بتحبيني، حتى لو احنا الاتنين مش عارفين.. شكرًا على كل حاجة عملتيها وشكرًا على كل حاجة ما عملتيهاش، شكرًا على الحب والوجع والقسية والحنية والحلم والأمنيات.. شكرًا لأني اتعلمت أحلم بسببك، اتعلمت أتخيل عالم حلو، أنا وانتي فيه بنحب بعض، واتخيلت حاجات كتير أوي، ومع الوقت لقيت إني بعيشها. مين عارف.. ممكن مع الوقت نبقى في عالم حلو، أنا وانتي فيه بنحب بعض، زي الحلم اللي حلمته من كام يوم، حلمت انك بتحبيني، وصحيت حسيت الدنيا كلها بتحبني، كان شعور حلو، كانت لحظة حبيت فيها وجودي، بس كانت حلوة أوي، وادتني أمل إني ممكن أحب وجودي تاني.. الأمل ساعات بيوجع، بس غيابه بيوجعني أكتر.

متأسفة وبشكرك، بحبك وسامحيني.. وحشتيني.

16-17 يونيو 2023

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *