| | |

في زمنٍ ليس معك.

أتيت ليلًا، والفضاء معتم، وما من نورس ينقر على الشباك. أتيت وكم رغبت فيك، والعالم ذاهب إلى رقاده، وأنت أنت بكامل غيومك. كل ما أحبه موجود فيك، كل ما تمنيته يتجلى، الطعام نتشاركه، ومنزل صغير يسع أجنحتنا، والصحون في حوض المطبخ تنتظر الغسل. بيت صغير لأمنياتنا، لحياتنا معًا. كفك تضغط على قلبي، كم أحبك! بالأمس أحببتك أكثر مما مضى، بعد الخلاف الأول، بعد الفراق الأول، أحببتك أكثر. والرب يسكن جسدنا المتعب. ويحاورنا معًا، جسد واحد، يغني لنا، لا أذكر من بدأ بالغناء. تقود سيارتك إلى المجهول، وأنا أتبعك، آمنة، وادعة، مستكينة. تلمس يدي، وموجة من هواء بارد تتوجني. أبدو صامتة، ولا أقول كلامًا، ما الذي تعرفه عني؟ ما المجهول الذي أوقعك فيّ؟ ماذا فعلتُ لأستحق العودة إلى الديار؟ معك كل شيء يشبه المنزل، حتى لو أن قلبي شظايا، أترك أجزاء منه على مقعد السيارة، تكنسه برفق، وتقول لي: لا بأس، أنا معكِ. أنا أيضًا معك، لم يعد هناك خوف، أي خوف يجتاح حناجر تجاهر بالغناء؟ جسدك على جسدي، يتوقف الوقت، والزمن طفل يلهو على دراجة هوائية، يظهر أمام سيارتك فجأة، ويتوقف. طوال اليوم أفكر فيك، وأنت بجانبي، أشتاق إليك. منحوتات حجرية في منزلي، ولوحة كبيرة لإمرأة تحمل يمامة فوق رأسها، تحدق فينا. ترافقنا إلى السيارة، وتتوقف عند الناصية، تمشي بضع خطوات. منذ الأمس واليوم، الحجارة والألوان تتحرران، ما رسمته يطير من النافذة، الوجوه العابسة في لوحاتي تبتسم. تعود المرأة إلى السيارة، شيء في الهواء يجعلها تتنفس، نعود إلى المنزل متعبين، تعود إلى اللوحة سعيدة، ترمي اليمام إلى آخر السماء. المرأة مثلي، تحلم بالإطار، تقفز خارجه، تصير نبتة لأزهار حمراء. رأيتني أسير نحو هاوية ما، ورأيتك قادمًا. على الهاوية جلسنا، نفكر بالعالم، أنت تقول كلامًا كثيرًا، وأنا أصمت، وأستمع، وأحدق في الهاوية. في زمن آخر، كنتُ قفزت، في زمن ليس معك. أحمل شاهد قبري معي، حيثما حللت، أحمله حقيبة قماشية، مكتوب عليها بالعربية، منقوش عليها ملائكة ترتع في حقل، محفور عليها اسمي وتاريخ ميلادي. من أين أتيت وكان لك هذا البهاء؟ أمضي صامتة، وألم كثير يخمد، أصيد الحب وأتركه في بركة السباحة، سمك أحمر كثير. تشغلني الحقيقة، واقفة بجانب السياج، في الحديقة الخلفية تحدق فيّ، هل أنت حقيقي؟ ما الذي يشغلك؟ لا أفكر، أنت من بوح خلقت، من نجمة في السماء، وبينما تحادث روحي الفتيّة، أحادث فناء لا أريده أن يجيء، أحادث روحي بعد ستين عامًا. لا أريد أن أموت، لا أريد أن أدعك وحدك، لا اريد أن أنفصل على جسدك. تقبّل كل شبر فيّ، تحبني بلغة لا أفهمها، إحساس غيوم بين فخذيّ، ورود تنبت على عنقي. تكون أمي، تكون شقيقي، تكون عائلة لم أعرفها، عطوفًا، بالغ اللطف، عظيم الرحمة، تلتهم عينيّ. إذا أحببتك، يمكن أن أحيا، يمكن أن أحلّق. يمكن أن أجيء من منتصف الخراب، جراحي تتشافى، لعقتها في الظلمة، وأنت تراني نورًا لا يخبو، أنت تقول: سعيدة أنتِ معظم الوقت، وأنا أصمت، لكني معكَ، سعيدة أنا معظم الوقت. هل ستأتي الليلة مرة أخرى؟ لتراني، ليبخو فناء ما، ولأحسبني إلهة صغيرة، لأجلس بهدوء، ليصير حزني مرمرًا، ليصير ماضيّ تلويحة. هل ستأتي أرجوك؟ لتزيح وحشية الحياة، لتحوّل آهاتي إلى نغمات تتجول في فضاء الغرفة. أحبك، وثمة أوقات لا أعرف ما الذي أفعله بهذا الحب.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *