حتى النهر.. يتمنى أن يجف.

كل مساء يضع الليل يده اللينة في يدي،
ويبكي بارتجاف مثل طفلٍ صغير..
وأنا أنصت
لليل الذي يبكي
لأن الصبح يغادر دومًا
قبل أن يصل إليه.

يقول الليل بحزن هادر:
يبدو الصباح مثل حلمٍ.
حيث أسمع كل ليلة صوت خطواته
تغادر عبر الرواق..
وحين أنهض، لا يكون موجودًا.

يقول الليل أيضًا عن النجوم: ليست حشرات مضيئة
بل دمع أولئك الذين انتحروا في صباهم.

فكرتُ في صباي أن أصبح نجمة
حيث أني ميالٌ لأن أصير كئيبًا
وأن الليل لا يهدهد رجفة الحزن في قلبي
وأني مثل جريح الحرب، أموت، وأصحو..
وأني أحلم، حين أقف أمام النهر
بجسدي يطفو فوقه..
لكن أحد الأصدقاء ينادي
فأعود لأحتفل بصخب في الداخل.

أتذكر أحيانًا امرأة بالأبيض والأسود
تشبه وميضًا فوق الجسر..
ويتحدث عنها النهر أيضًا
وعن ذاك الضوء في عيونها
وعن رغبتها في العيش طويلًا..

كانت تريد أن تجرب الوصول، يقول النهر..
لذلك تركت جثتها تطفو
للنهر ضفاف كثيرة
وأحيانًا، لا يصل المرء إلا ميتًا.

يظن النهر ألا أحد ينصت إليه،
لكنّي أراه، في تلك المساءات المشبوبة بالغرق
يخرج مرتجفًا من أعماقه،
تاركًا آثار خطواته المبللة فوق العشب.

حتى النهر، يتمنى أن يجف
وأن يكون بانتظاره أحدٌ ما
حين يعود محمومًا
وأن يحمله مثل طفل إلى سريره
أو إلى تابوته..
يحلم النهر بتابوت يبتسم فيه
وحشد من العطشى يشيعون جنازته.

أسمع بعض البكاء أحيانًا
وأقول: لربما النهر يبكي، مثل ذئب ضائع.
وأخرج في بعض المساءات باحثًا عنه
وقلبي قنديل يوشك أن ينطفئ..
وأراه، يختبئ عاريًا بين الشجر الوارف..
و أسأل النهر عن أمه، وعن الطريق إلى منزله..

في البدء، كنتُ أظنها نجمة نسيها الليل خلفه، يقول النهر..
لكنها كانت أمي، وكانت تشبه وميضًا فوق الجسر
وحاولت ذات ليلة عناقها، لكنها أخذت تطفو فوق السطح.

كل مساء أعود للمنزل حزينًا،
وأفكر بالنهر، وبالأمهات اللاتي يومضن فوق الجسور..
وأغفو فوق الدرج، أو فوق كرسيّ خشبيّ..
وحين أستيقظ أحيانًا
لا تكون المدينة موجودة
والليل قد غادر لوقت طويل
والنهر الذي يحب أن يغيّر وجهته، أو هيئته..
يمضي هاربًا بين الشجيرات، هازًا ذيله.
وأتصور دميَ الحار مسفوحًا، أمام العتبة.
مشهد واحد وينتهي العالم، مشهد أخير..

لكن امرأة رمادية تومض أحيانًا في أحلامي
وتسحبني نحو الظل
وتغلق الأدراج على سكاكين المطبخ
وتمنحني قلبًا أخضرًا، نسيه الخريف وراءه.

وأوشك أن أقول:
أحلم بامرأة رمادية
تومض في أحلامي.
لولا أني أغفو على الدرج
وأستيقظ أحيانًا في فراشي.

آلاء حسانين
٣٠/إبريل/٢٠١٧.

Similar Posts

5 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *