وكان صوت حياته القديمة.. يرنّ في ذاكرته.

قال: لا أذكر أي شيء كنته، قبل أن أصير ظلًا. وقف أمام المرآة، عاريًا.. عاريًا تمامًا. مثلما ينبغي لظلٍ أن يكون. أخذ يقلد كل الأشياء.. صار كرسيًا وقال: لا أذكر رائحة الخشب القديم.. لم أكنه. صار مشجبًا وأخذت المعاطف تتدلى من رقبته. صار بابًا، وأخذ يغلق كل حين، دون أسباب واضحة.. صار ستائر لا تمنع…

في الظل، وراء الباب الموارب.

إلى آندري تاركوفسكي. في الظل وراء الباب المواربينكمش طفل معتم.. حدود جسده الباهت تتماهى، مع الليل المسكوب في الأرجاء. ذرات الهواءتتشرب ظلًا عتيقًاوتنتشر حول الجسد الصغير.. الضوء يتساقط كالندىعلى الممرات الطويلة فوق الجسد البارد.. عين خافتةتبرق، من وراء الباب الموارب. عين أخرى في الظلتبدو، كثمرة كرز ذابلة. وطن بعيد يشرد، في العيون المحنيّة..مركب شراعيّيراقب انطفاء…

والعربات في الخارج، جاءت لحمل جثتي.

عندما أموت، أريد أن اصير قاربًا..و أبحر في الزرقة. أريد، -أنا اليباس، المعجون من حزن الأرصفة، وصفعات الأمهات الخشنات، والخطوات الوحيدة-أن أصير غروبًاو أبحر إلى نفسي. الآباء حجزوا قبورنا الرخامية، والأمهات اخترنألوان التوابيت. ورد الجنائز جاهز للقطف.. والعربات في الخارج جاءت لحمل جثتي. خطوات كثيرة وراء الباب الموصد. ولا أحد علّم الجثثكيف تفتح أبواب المشارح..كيف…

اخرج الآن، أيها الوحيد../ Come out now, lonesome one.

اخرج الآن، أيها الإنسان الوحيد.. البشر صاروا شواهد قبور. المصابيح المكسورةأخفت عذاباتها والعالم الذي لا تحب.. يزرحفي العتمة. اخرج الآن، أيها الوحيدالنجوم البعيدة انطفأت.. الدرب خاليةمن الخطوات القديمة. و الأمهات.. أيها الوحيد،صرت كذبات بيضاء.. و أنت لم تسقط من هاوية، لست تاريخا ولا شعبًا، لست امتدادًا..إنك الجوع الكاملللوحدة، و أنت الضوء الذي يُبعثمن نفسه.. اخرج…

ما يشبه التعب البسيط..

سأجيء عند حلول المساء، بعدما يتحلل هذا الجسد في القبر الرخاميّ.. سأصير فضاء أزرقًاوأطفو فوق المنازل. سأصير رياحاًأو صبيًا يعدوبين الأحراشبحثًا عن الشمس..  سأصير جذعًاوأبحثعن الوطن القديمِ عن صوت تكسّر جرار الطين.. عن الآباء الراحلينخلسةبثياب النوموعن بقعة أرضٍتتمدد فيها جذوري..  سأجيء من البلاد الباردة لأتساءلعن الصحراءالتي منحتنا حروبًا وآباءً قساةو جلودًا سمراءو قوارب للأمل.. والغرق.  سأجيء لأسأل الأصدقاءعن ليالي الوحدة الطويلة وعن المعاصمالتي ربّت الإنتحاراتوالقصائد الحزينة.. سأجيءلأسأل…

دعني أتشرد.

خذ معولًاواضرب عميقًافي قلبي،اقطع جِذر هذا الحزن..خذ معولا أكبر واضرب جذر رب البيت، شرد هذي العصافير الحزينة..دع هذه الأغصان تتهاوى..ودعني أتشرد. دعني أجرب كيف يكون دفن الأم وكيف الحياةدون أبٍفي الصورة.. دعني لا أموت طيرًا دافئًالم يجرب الطيران ولم يعرف كيف ترف الأجنحة..  دعني أموتأمام المداخل أو في المداخن،أو قمرًا ضائعافي الثلج..  دعني أجرب كيف يكون اليباس.. وكيف يكون الغرق..  دعني أجرب كيف ينام الوحيد وكيف يبدو نوم الخنادق أو نوم الأرصفة.. …

و حياتنا، يا إبن العمِّ، مثقوبة.. لا تُبحر.

ليس لدينا أمهات،بل خطاياحصى فوق الدروبو ملح، في الجروح القديمة.. ليس لدينا أصدقاءبل صدى طويل، بعد ندائنا..و أطيافتغادر و لا تعود..و مقاعد، نُعيرها للعابرين.. و نهايات فارغة، للإنتظارات الطويلة.. و ليس لدينا آباء، يا ابن العم.. بل ذكريات قديمةعن أناسجالسين عند البحر، أناس غادروامع البحر..أناس مثل قواراب الصيد القديمة تشرد في كل بحر، مثل الغيممثل الأسماء الضائعة..أناسمثل قوارب الصيد القديمةلا تعود…

الإنسان الأكثر شبهًا بكرسيٍّ مدولب..

1- لم تكن له أقدامحين ولد، بل شرائط ملونة.و لم يكن يعرف أن للإنسان قدمينيسير بهما..لذا، كان يظن نفسههدية..و كل عيد كان يربط شرائطهو ينتظر أن يفتحه أحد.. 2- لم يكن يعرف أيضا أن شخصا ما أوجدهو كان يصدق حكاية قديمةعن لقلق، يحضر الأطفال من صدفات البحر.. و كان يظن أن النوم يعني العودة إلى الوطن القديم..  و كان وطنه…

حين تكون حزينا منذ الولادة..

حين يكون العالم قذرًابما يكفي.. و تنكر الأمهات أطفالهنمثلما ينكر شخص مايدًا مقطوعةكانت له..حين لا يكون للأبناء آباء بل عقبات.. و حين لا ينتحر الأصدقاء إلا حالما يصيرون أصدقاءك حين يتبخرون أو يختفون أو يموتون في حوادث عشوائية.. إذا ما قررت ان تمضي معهمحياة كاملة.حين تختفي فجأةكل الأيادي و عبارات الترجي  و النظرات الدافئة.. إذا ما قررتأن تقفز…

حلق مكتظ برثاء طويل.

حلق مكتظ برثاء طويل. إلى والدي،الذي تتآكل عظامهبفعل السرطان، والحياة المريرة، والوقوف الطويل. لا أريدك طيفًاأو ظلًاأو وميضًا في الذاكرة.لا أريدك عابرًا خفيف الظلفي المنامات البعيدة.لا أريدك رمادًا في جرةأو كتابة على شاهدأو مزارًا، هناك، على الناصية.ابق هناالوحوش عادت لتختبيءتحت سريري.وأنا عدت طفلكالذي يتعثر في المشيوالكلام،وعاد ظليلا يريد أن يفارقظلك.سأعيد لك العمرمن أوله،ستعود شابًابقدمينلا تتقاعدان عن المشيودمٍ…

الفراغ، له وزن أيضًا.

الفراغ، له وزن أيضًايجهد عالمٌ فيزيائي،أن يفسر لي،أن اللاشيءهو في الحقيقة،شيء أيضًا.وأنا أفكر،كيف بإمكانيأن أصوغ كل ذلكشعرًا،وكيف أستغل هذه الفوضىلأشرح لرفاقيلماذا أحرصأن أبقيهم بعيدًا.ولماذا أتصرف بعدوانيةتجاه كل شخص أعرفه.ولماذا حين أحب شيئًا،أسعى لأن أتخلص منه.إذ إن الفراغ،له ورن أيضًا.والناس الذين أعرفهميترسبون داخليومن سوء حظنا،فإننا لم نتطور بما يكفي كي نقدر ايضًا أن نهضم ما في…

أمر محزن أن يكون للمرء خمسة أصابع..

كم هو محزن أن يكون للمرء خمسة أصابع،وقلبيشبه النتوءفي قميص قديم.وأصدقاءمثل ألم الأسنان.كل يوم،تشرق الشمس باهتة،الطعام يصير رمادًافي فميوكم يصبح شاقًاالمشي، نحو المغسلة. العالم أسودالشجر أسودمقابض الباب سوداء،ووجوه البشر،تشبه التغوط.ولهذا،يثبتونني بالأحزمة في السريرويحقنونني بألم حارق.ثم يبدأ العالم بالتلاشيوتختفي الوجوه التي تظهر لي في السقف.يقول طبيبي:يجب ألا أظل وحيدًا، لا أستطيع أن أفهم؟كيف يمكن للمرء أن يصادق أناسًاغير موجودين؟أنا، غير موجودالناس في الشارعغير موجودينوحتى…