الفنان عبدالرازق عكاشة: تعلمت الرسم مع الحب، وقريتي أهدتني مخزونًا فنيًا وإنسانيًا هائلًا.

حاورته: آلاء حسانين. مجلة اليمامة.

«تعلمت الرسم مع الحب، ومع رضاعة اللبن» بهذه العبارة يمكن الدخول إلى عوالم الفنان عبدالرازق عكاشة الرحبة.. وهو فنان مصري فرنسي، من قرية مصرية صغيرة اسمها «عرب الرمل.» ومن الواضح تأثير نشأته في هذه القرية على فنه ولوحاته حتى اليوم، فما يزال يرسم أهل قريته، وحكاياتهم، وتفاصيلهم، وعمته إحسان، التي علمته الرسم مع الحب مثلما يقول، حيث كانت تطبخ الرز بلبن على البابور، وفي أثناء ذلك، تقوم بتعليمه الرسم.
ويعيد الفنان عبدالرازق عكاشة تأثره الكبير بقريته وأهلها إلى عدة عوامل، أولًا نظرًا لتنوع الأحداث وثرائها.. بالإضافة لكون عائلته ضمت عدة شخصيات تتمتع بكاريزما إنسانية لا يمكن أن تُنسى.. بالأخص الشخصيات النسائية القوية والفريدة، والتي كان لها بالغ الأثر على الفنان عبدالرازق عكاشة، ولعل أهم هذه الشخصيات هي جدته آمنه أبو السباع، عمدة القرية.. حيث كانت مُهابة، يلجأ إليها أهل القرية لحل مشكلاتهم.. بالإضافة لتأثره بأمه، التي امتلكت قدرة هائلة على الحكي والتخيل، كما كانت ممثلة مسرح في صغرها، وأيضًا عمته إحسان، التي دعته إلى أن يرسم متبعًا إحساسه، ولا يلتفت إلى نقد المدرسين، لأنهم بحسب قولها، يقومون بتعليم التلاميذ فنًا جافًا وخاويًا من المشاعر.
فقد علمته قريته الحوار الإنساني، والتواضع، والبطولة، إذ إن أحد أعمامه قد توفي في الحرب، مما غذى روح الشموخ لديه، كما علمه جده الكرم أيضًا، إذ إنه لم يكن يغلق باب منزله على الإطلاق، وكان المسافرون ينزلون في منزل جده، للاستراحة والتزود بالطعام، ثم يكملون طريقهم.
هاجر الفنان عبدالرازق عكاشة إلى باريس حين كان في العشرين من عمره، وقد أكسبته تجربته الباريسية الكثير، على المستويين الحياتي والفني، إذ علمته باريس التأمل والدهشة والانحياز للإنسانية، خلال مراحل حياته كلها، بداية من نومه على الأرصفة لمدة ستة أشهر في بداية قدومه إلى باريس، وحتى جلوسه على ذات الكرسي الذي جلس عليه الفنان سيزار في متحف الخريف، حيث كان محكمًا للوحات فناني العالم.
ويستعيد الفنان عبدالرازق دهشته عندما قدم إلى باريس في صباه بحذائه المحمل بطين قريته، ودخل متحف اللوفر ووقف مشدوهًا أمام لوحات فنانين كبار طالما أحبهم.. ومشى على الجسر ذاته الذي مشى عليه فان غوخ ذات يوم.
ويقول الفنان عبد الرازق بأن باريس علمته التواضع، الذي تأصل فيه بالأساس خلال تنشئته، فلو لم تكن جدته هي آمنة أبو السباع، ولو لم يكن قد تشبع بالطيبة والكرم والإنحياز المطلق للإنسانية الذي تعلمه من والديه، لربما كان سيجن أو يمسه الكِبر حين وصل إلى ما وصل إليه من مناصب ونجاحات، فيحكي عن تأثره حين احتضنته عاملة نظافة أثناء تكريم وزير ثقافة البرازيل له، وقالت له باكية بأنها تشعر أنه ابنها، وبأن القطار الذي يرسمه في لوحاته هو ذات القطار الذي صعد إليه أبناؤها ذات يوم وانتظرت عودتهم على متنه، ولم يعودوا. ووصف أن مثل هذه اللحظات هي الأكثر تأثيرًا في رحلة الفنان، وتناول الموضوعات الإنسانية المشتركة هو ما يجعل من الفن لغة عالمية، نشيدًا مشتركًا بين كل شعوب العالم. إذ إنه أوضح بأن تأثر الناس بالفن الذي يقدمه هو جائزته الحقيقية، بل وأهم من كل الجوائز التي قد حصل عليها يومًا.
كما أشار الفنان عبدالرازق إلى أهمية أن يكون الفنان صاحب موقف، يعبر بلوحاته عن الناس، ويسجل من خلال مواقفه الحياتية اعتراضاته، إذ إن الفنان التشكيلي ليس مجرد مبدع ألوان.. والممثل مثلًا ليس مجرد أداة، بل من الواجب على الفنانين جميعًا أن يكونوا مثقفين اجتماعين، بحيث تنعكس قصص ومشاكل مجتمعاتهم في فنهم، ويعبروا عنها، ويصبحوا صوت من لا صوت له.

تعلم الفنان عبدالرازق تقنيات الرسم في باريس لمدة عشر سنوات على يد الفنان بيير رنوار حفيد الفنان أوكست رنوار، وقد أثرته هذه التجربة كثيرًا، وقد كان لهذا الفنان بالغ الأثر على تجربته الفنية، حيث أشاد بميل الفنان عبدالرازق إلى رسم الشخصيات المحلية في قريته وعائلته، وشجعه على الحفاظ على هذه السمة في فنه، وعند تعجب الفنان عبدالرازق من هذه الإشارة، إذ سأله باستغراب: كيف يمكن للمحلية أن تُقدمني وقد قدمت إلى باريس لأصبح فنانًا عالميًا؟ فأجابه بيير رنوار قائلًا: صدقني، نحن بحاجة إلى ند، الذين يقلدوننا هم مجرد عبيد.
ومن ذاك اليوم قرر الفنان عبدالرازق عكاشة أن يتعلم التقنيات في أوروبا، لكن يوظفها لصالح بيئته. فالفنان الذي يعتز ببيئته وثقافته ولا يتنكر لهما، هو فنان شامخ، يكون صاحب فن أصيل وغير مستنسخ من آخرين.
لذلك تميزت معظم لوحات الفنان عبدالرازق عكاشة بعكسها لبيئة قريته، حيث رسم عمته إحسان وفلاحات قريته ومصطبة جده، وفي معرض «الفرسان الأربعة» الذي أقيم الذي في جاليري بهلر بالقاهرة بتاريخ فبراير ٢٠٢٠، وضم لوحات أربعة فنانين منهم الفنان عكاشة، الذي شارك بعدة لوحات هي لوحة «عمتي إحسان»، «نساء تحت شجرة التوت»، «فرح بنت العمدة»، «عرق الفلاح»،»نميمة الفلاحين»، «شهيد محطة مصر». وقد تميزت معظم اللوحات السابقة بطغيان اللون الأزرق النيلي عليها والأصفر وبعض الرمادي، وقد قال الفنان عبدالرازق بأنه يرسم بألوان جدار قريته، بالإضافة إلى أن معظم مواضيع اللوحات مثلما يتضح من عناوينها مستمدة أيضًا من هناك، دون إهمال دور الخيال الذي يجعل منها موضوعات عالمية.
بالإضافة إلى الفن التشكيلي فإن الفنان عبدالرازق عكاشة العديد من الأعمال الأدبية، التي تتميز بأن معظم أبطالها من النساء، فقد أصدر أول رواية بعنوان «فتيحة» وهي عن علاقة سيدة جزائرية في مصر بباريس، أما روايته الثانية «نوال» فتحدثت عن تأثير النساء في عالم المهجر، بالإضافة إلى روايتيه «ديزل» و«الشرابية» كما كان أول من كتب عن الفن في أفغانستان ودور المرأة الكبير والمؤثر فيه، بالإضافة إلى إصداره العديد من الكتب الأخرى مثل «الثورة في العقل التشكيلي العالمي»، «سمير رافع ذكريات ومذكرات»، «فنانون أروبيون رسموا بلادي» ، «حوارتي مع رجل عرف بيكاسو»، «ثورة علي العقل المصري»، «فنانون خارج دائرة النقد».
كما دعا الفنان عكاشة إلى إقامة ملتقى مبدعات العالم في القاهرة، حيث سيكون الأول من نوعه، إذ سيتيح الفرصة لمبدعات العالم في كافة المجالات للالتقاء ومشاركة التجارب الفنية والحياتية.
منذ 2008 .
——-
نبذة عن الفنان:

الفنان عبد الرازق عكاشة، فنان مصري فرنسي، وناقد تشكيلي وباحث فى الفنون البصرية.
– درس التصوير الزيتي بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة.
– درس النقد بكلية الإعلام ( التعليم المفتوح ) جامعة القاهرة.
– درس فى جامعة سان دوني (باريس) فلسفة التصوير فى عصر النهضة.
– درس بقسم الجرافيك (بوزار أرت) .
– شارك بالعديد من المعارض المحلية والدولية،
حصل على أكثر من عشر جوائز دولية أهمها:
– جائزة صالون منتدى الفن الباريسي الأولى نحت لجنة التحكيم 1995 .
– جائزة الاعتراف الفني من مدينة أوساكا فى اليابان – تصوير زيتي 1996، 1997 .
كرم فى البرازيل ( ضيف شرف ) أول مهرجان يجمع فنانى أمريكا اللاتينية والعالم 2011.
– كرم في مهرجان فناني أمريكا اللاتينية بسان باولو 2015.
وكلت إليه بعض المهام الفنية منها:
– عضو بقسم الصحافة والنقد بوزارة الخارجية الفرنسية قسم الصحافة الخارجية منذ 1999 .
– مستشار لعدة مهرجانات وبيناليهات في الفنون التشكيلية فى أوروبا والعالم العربي.
قوميسير صالون الخريف الدولي بباريس – فرنسا أكتوبر 2008 .
عضو بمجلس ادارة صالون الخريف الفرنسي

http://www.alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=3237

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *