لمَ.. مرة أخرى.

مقهى في بروكسيل-13-12-2022

تزحف إليّ تلك الذكريات
وأنا ما أزال نائمة في السرير
لم أفتح بالطبع كلتا عينيّ
فلا أعود أعرف في أي حياة أنا
وأرى في رأسي صورًا من حياة أخرى
لم أعرف متى عشتها

لكن الصور تتكرر في رأسي
حتى أحزن ذاك الحزن النهاري
ولا أتمكن من أن أعيش حياتي بقية اليوم
يظل قلبي منشغلًا بحياة أتذكرها منذ طفولتي
ثم أشعر بأني في مكان بعيد عنها جدًا
وما من طريق في هذه الحياة
سيعيدني من جديد إليها

تلك الحياة كانت قريبة من البحر
واعتدت على الركض والاختباء في مغارة رخامية
بالقرب منه
اختبأت من الأقدار والأعاصير
وفي بعض الأحيان
من بحار يظهر الآن كثيرًا في أحلام الصحو
شعرت تجاهه بالغرابة والألفة
بالرهبة وبالانجذاب
مرات شعرت بأنه أنا
ومرات أخرى شعرت بأنه الله

ثم قدمت إلى هذه الحياة
وكانت باردة جدًا
وشعرت بالمياه تحت أقدامي
وبالضوء الخافت
وأخرسني عدم الفهم
أحالني إلى الصمت

وقضيت طفولتي أرى
وأتذكر
فلم أكن طفلًا كاملًا
كنت اثنين منفصلين
واحد عاش كبحار فيما مضى
وآخر ما يزال طفلًا
ولد في الصحراء
لفظته القبائل وأحرقته الشمس
وبكى كثيرًا
لأن بحارًا عالقًا في قلبه يبكي
يريد أن يعرف لماذا لم يمت تمامًا
وهل أخطأ في حق الله فأبعده عن البحر
وأعاده طفلًا؟

أراد أن يمشي
وأن يدافع عن نفسه
وأن يعود للبحر ليموت هناك تمامًا
فلم يرد أن يدخل في التجربة
ولا أن يبدأ من جديد
وتعلكه القبائل

سأل الله كثيرًا
بالدمع مرة
وبالعواء مرات

كنت قريبًا منك يارب العوالم
أحطتني بالزرقة
وأبعدتني عن الناس لأني أقل تشبثًا منهم
آخيتني مع الرمل
والرخام الأبيض
وملأتني منك
فلم يخدشني الخواء
أو تبتلعني العوالم

كنت قريبًا منك
والآن أبعدتني

ظننتني سأموت تمامًا
والموج يلاعب قدمي
وسأصعد لأكون منك
لأكون معك وفيك

لأندمج بالسواد وبالبياض
وأتحرر من سطوة التجسيد

لكنك الآن تلدني مرة أخرى
تدخلني في تجربة لم أطلبها

فمن أين يجيء النحيب
ولماذا هذي القبائل؟
لماذا امرأة تتركني عند البئر
وإخوة دهماء يظنوني طائرًا أسودًا
جناحاه ليخفت
لا ليطير؟

إلى أين ستذهب بي؟
وهل تلك اليد الحانية
اليد التي مثل همسة
مثل وشوشة في القلب
هي يدك؟

هل تراني؟
أنا أراك
هنا ألوح لك
وأكتب إليك
أطير طائرة ملونة
تلويحتي إليك

تركت الصحراء التي لوعتني
أغضبتني عليك
وجرحتني فيك
حملتك معي وذهبت
غاضبًا وحزينًا
لكنّي أردتك

حتى حين أصمتني الغضب
وطيرتني الحياة يمينًا ويسارًا
حين سال دمي على رأسي وجسدي
وحين كنت حزينًا وشاردًا في النهار

لكنك أردتني أولًا
حتى حينما تجنبت الالتفات إليك
أحطتني بالحب
مسحت على قلبي
سبقت خطواتك خطواتي

بقيت حينما لم يردني أحد
أردتني حين لم يبق أحد

عرفتك بالحدس
وعرفتني بالايماء

منذ أيامي الأولى
في حيواتي كلها
وأنت غيمة تظللني.

10-11 ديسمبر باريس 2022

Similar Posts

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *