|

وحدة السائر إلى مصيره – يوميات

أشعر بالوحدة. 

ولا أظن بأنها سيئة للغاية، فقط احتجت إلى أن أسمي ما أشعر به. والوحدة التي أقصدها لا تصف غياب الآخرين، بل ربما تصف وحدة الإنسان السائر إلى مصيره. 

الميت في تابوته وحيد، وإن تهافت الآلاف على حمله وتوديعه.

والذي ينتظر الموت أو الشفاء وحيد أيضًا، وإن امتلأت غرفته بالورد والزوار.

وأنا، وحيدة في قدري هذا الذي أعيشه وأحياه.. حتى عندما أحرك الشاشة بضجر وأنا أقرأ جميع الرسائل التي تصلني على فيسبوك وتويتر وحتى الإيميل. أرد على بعضها ثم أغلق الهاتف وأحدق في السقف، حولي قططي تنام هانئة، وأفكر بأني لا أريد أن أعرف أحدًا بعد الآن. ماذا لو أمسكت بهاتفي ورميته من الشباك؟ سينهار ذاك العالم الآخر المليء بالناس، بينما هنا لا أملك أحدًا.

حين أغلق هاتفي أو أنعزل عنه، أستطيع أن أقول بجرأة بأنني لا أملك أصدقاء.

لديّ معارف كُثر، وأصدقاء يعيشون في بلدان أخرى، ومتابعين وقراء على تويتر وفيسبوك وانستاجرام، لكن ليس لديّ أصدقاء.

حتى لو نظرت إلى قائمة الهاتف ووجدت بأن عدد الأرقام المسجلة قد تجاوزت الألفي رقم. لا أحد منهم يجلس الآن حولي، وأنا أجد صعوبة في أن أهاتف شخصًا لا يشاركني يومي لأشكو له. أظل أقول ربما هم منشغلون الآن، أو لديهم ظروف لا أعرف عنها، ثم أقول بأني أستطيع أن أتجاوز حزني بمفردي.

أعيش بعيدة عن أمي وعائلتي، وعندما أذهب لزيارتهم فأنا أحرص أن أكون بأفضل أحوالي، أبدأ بالمزاح المستمر، بينما يتألم قلبي جدًا. 

لا أستطيع أن أشكو لأمي، كانت بيننا سنوات طويلة من الجفاء، وعندما تحسنت علاقتنا بعد تجاوزي للمراهقة، صرنا أشبه بصديقتين أو بجارتين. 

والدي بعيد، في دولة أخرى. وإخوتي كل في عالمه، وأصدقائي يحبونني وأنا أفرح برؤيتهم، لكن لا أستطيع أن أشعر بالحزن معهم.

عندما يسألني أحدهم ما بي؟ يشل لساني ويجف حلقي ولا أقدر على الشكوى أو الكلام. فنتبادل المزاح، وأحيانا تمرر إليّ صديقتي في المنزل جوب عندما تدخل إلى البيت وتجدني أبكي أو أنتحب.

أضحك، وأتردد قبل أن أشربه، ثم أقول لنفسي لا بأس تحاملت على الألم وتحملته كثيرًا، والآن لنبدأ بتسكينه.

وأنا لا أعرف أحدًا، أحب الناس وأختلط بهم، أمزح وأسكر معهم، لكن لا أعوّل عليهم، وأنأى بذاتي عنهم، وأشعر بالوحدة دائمًا. 

أحيانًا تجيء إحدى قططي الصغيرة وتنام عند وجهي، فأشعر بوحدة أقل.

تشعرني قططي بتحسن كبير، أكثر بكثير مما قد يشعرني به أي إنسان، وفي أوقات كثيرة أشعر أني أنتمي إلى عالم الحيوان أكثر من عالم البشر. أشعر معهم بالألفة، شيء وحشي وبري في داخلي يتواصل معهم، يفهمهم ويفهمونه. أما لغة البشر فقد تعلمتها وتمرنت على المخاطبة معهم. 

ربما كنت قطة برية فيما مضى، أو ربما سأصبح كذلك. 

أغمض عيني لساعات، ولا أفعل شيئًا.. معظم الوقت أسرح، وتمضي الأيام. وأحيانًا أتخيل. أتحدث مع الآخرين كثيرًا في رأسي، إلى درجة أني لا أشعر بحاجة إلى أن أتكلم معهم عندما أقابلهم. 

في قلبي صوت درويش ونبضه وألمه وهو يقول:” تقول ممرضتي: أنت أحسن حالًا. وتحقنني بالمخدر.”  

وأظن بأنه كان يشعر بوحدة شديدة ليكتب ما كتبه أعلاه، وأتآلف مع هذه الوحدة بشكل غريب.. ثم أستغرب نفسي حين أغبطه، وأنظر إلى وحدتي التي تلتف حولي، وتتعمق في مفاصلي، وأتمنى لو أن لي ممرضة، أناديها بدلال: ممرضتي. وأكتب بتباهٍ: تقول ممرضتي. ثم تقول لي: أنتِ أحسن حالًا.. ويالترف الذي سأصير عليه، لو حدث وحقنتني بمخدر..

١٨-٦-٢٠٢١ 

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *