“إلى الشهيدة رقم 2935.. رحاب تقريبًا”.
محملة بالجثث
تجرها الخيول إلى مكان بعيد
تتدلى منها أيد وأقدام مدماة
ورءوس ممتلئة بالأحلام
وعيون
تحت جفونها.. نظراتٌ كثيرة.
ملائكة وحفارون ومصابو حرب وناجون
يجمعون الجثث من فوق التلال
من غرف المنازل
من فصول المدرسة
من البارات
من السجون،
من قاعات المحاكم
والحدائق العامة..
يسحبون الأطفال الموتى من تحت أغطيتهم
يحملون النساء من أمام المرايا المهدمة..
في المنازل المهدمة..
النساء الميتات بفساتين جميلة
وتسريحات شعر مرتبة
وكأنهن كن ذاهبات إلى حفل.
بأحلامه
بنقوده المدخرة لأيام سوداء، كهذه
بفساتين أعراسه
وبألعاب أطفاله وكتبه المدرسية.
في عربات كثيرة
وعوضًا عن إيصال الأطفال للمدرسة
الرجال لأعمالهم
والنسوة لأحلامهن البعيدة،
يلقون بهم في حفر كبيرة
ويعدونهم بجنة، بحياة خضراء وعالم أفضل.
ثم يهيلون التراب على وجوههم
كأنها شواهد قبور
يقرأون الفاتحة على أرواحهم في عجالة
ثم يحلقون بسرعة..
كمن يغلق الباب على ماضيه
ويذوب كشيء آخر في حياة أخرى.
وتحلق بهم للسماء
ليصيروا غيوما
واحدًا تلو واحد
غيمة وراء غيمة
تصطف في السماء
كجيش يستعد لمعركة
جراحًا وأحزانًا وبلادًا من ملح وخراب..
جثة وحيدة ملقاة على رصيف
جثة بجانب محل تجاري مهدم
ومبنى للصحافة،
جثة لم ينتبه إليها أحد
لم يحملها ملك في عربة
لم يقرأ أحد على روحها الفاتحة
ولم يطبع أحد قبلة أخيرة
فوق جبينها.
وكأنها غير ميتة..
ربما تكون رحاب غير ميتة بالفعل
إنها تستيقظ كل صباح
تقرأ رسائل بريدها الإلكتروني
تسقي الأزهار في الشرفة
تجمع الملابس من فوق حبل الغسيل
تعد كوبًا من القهوة، ولا تشربه
تترك دائما على الطاولة
كوب قهوة باردا وكتابا
لربما سار طاغية في شوارع مدينة أبادها
كي يتأكد
– قبل أن يضحك بسخرية ويشعل سجائره–
أن الشعب، كل الشعب قد مات..
وأن عليه أن يحتفل بانتصاره.. وحده.
تستيقظ في فراشها
بأقدام باردة
وحزن خفي لا تعرف سببه
تتفقد المنزل
وتعد طعاما لكل أفراد الأسرة
أن إخوتها
– حتى وإن ماتوا–
لن يتوقفوا عن العودة من مدارسهم
كل ظهيرة،
وأن والدها
– وإن كان مستلقيا في قبره–
سيعود حتمًا من عمله بعد قليل.
قبل أن تعود لجسدها الملقى ميتًا
فوق أحد الأرصفة
تحرص أن تترك الأضواء مضاءة
الباب مفتوحا على آخره
الطعام على الطاولة
وكوب قهوة باردا..
لربما مر قائد عسكري من هنا
ليحصي قتلاه،
ويصفق لنفسه..
أن تظل حية دائمًا
كي تخيب ظنه.
آلاء حسانين