دائمًا هنالك وقت.
لأن تحصي خساراتك
حتى وأنت تركض مذعورًا
لتختبيء كجرذ في إحدى المزابل
راجيًا
أنت تسقط القذيفة في الجهة المقابلة.
لا أحد يتمنى أن تسقط القذيفة
فوق رأسه..
حتى أنت
أنت الذي طالما غنيت للسلام والأطفال والياسمين
أنت الذي كلما رأيت شهيدًا
قلت في نفسك:
ليتني كنتُ مكانه.
أنت الذي كلما رأيت طائرة
تجوب في السماء
كنت تسمع قلبك يردد:
-بلا حياء-
على الأطفال في المبنى المقابل
على الورد في المبنى المقابل
على الأغنيات في الجهة المقابلة.
أنت الذي
كلما رأيت طائرة
رمت قنابلها.. وحلقت بعيدًا.
كنت تخرج من ركامك
من فوضاك
وأنت تدس يديك -بخجل- في جيوبك
كأنك تعتذر عن بقائك حيًّا..
دائما هنالك وقت
لأن يقدم الناجون اعتذاراتهم
بين كل قذيفة وأخرى.
وأنت توزع خطاك
على كل الطرقات
وأنت تترك قدميك وظلالك وذاكرتك
على كل الأرصفة
وأنت تشعر بالضآلة
في كل المنافي
دائمًا هنالك وقت
لأن تقدم اعتذارا خفيًا
للبلاد
البلاد التي تريد أيضًا
أن تهاجر.
ليس هناك متسع
في الحقائب والقوارب والذاكرة
ليس هناك متسع
لكل هذه الجثث والأحزان والمراثي
اذهبي لعابر آخر
أيتها البلاد
اسألي مهاجرًا آخر
أن يحملك على قدميه..
أيتها البلاد
قفي في الطوابير الطويلة
دون جواز سفر أو حذاء أو غطاء رأس أو بطاقات للمعايدة.
لربما يمنحك حاكم ما منزلًا و عشاء ساخنًا
أو ربما يراك شاعر ما
فيكتب لك مرثية
ليبرهن على انسانيته..
أو ربما تفوز صورتك
وأنت حافية
وعيناك جمرتان باردتان
يدك زرقاء
قلبك أزرق
وأسنانك تصطك ببعضها
حزنًا وخوفا وتشرد..
لربما تفوز
بجائزة الموسم..
ليس هنالك متسع يا دمشق..
ليس هناك وقت
لندفن كل هذه الجثث
ليس هناك وقت
لأن نحمل كل هذه الأمنيات
ليس هناك وقت
لأن نغرس كل هؤلاء الأطفال المبتورين
لأن نكتب لكل شهيد مرثية..
لأن نقول لكل مسافر وداعًا..
لكن دائمًا.. دائمًا.
هناك وقت
لأن يحب غريبين بعضهما
في طريقهما الطويل..
نحو القيامة
دائمًا، دائمًا..
هناك وقت
لأن يكبر الأطفال في أكفانهم
لأن تنجب الأمهات الميتات أطفالًا جدد
و لأن ينبت الورد في عيون الصبايا المنفيات
دائمًا هنالك وقت
لأن ينسج الميتون من موتهم..
حياة أخرى
حياة جديدة..
تكون تقريبًا، على مقاسك..
دائمًا هناك وقت
أمام هذي الحرب
لأن تسأم نفسها
لأن تنتحر..
ودائمًا.. دائمًا
هنالك وقت لأن يلقي الجنود بأسلحتهم
ويقول كل واحد للآخر:
ارفع كأسك
يا صديقي.
آلاء حسانين.
29 ديسمبر 2015