العهدُ الجديد كليًا أصبح كتابًا صوتيًا
قالوا عن العهد الجديد كليًّا
“القراءة لآلاء حسانين، هي الموافقة ضمنياً على أن تصابَ بلعنةٍ حقيقية، لن تُشفى منها أبداً.
العهد الجديد تجربة أخرى، طعنة ولكمة في الوقت نفسه.
إنه الحالة الجديدة من الشعر، الحالة التي لم تمر عليك من قبل.
إنه كذلك فتحٌ هائل وعظيم!”
ريم الصالح
في كل نص من هذا الكتاب ينهال عليك السرد في صوت واحد، صوت أخّاذ وساحر، صوت ُيمكنك من الحديث مع نفسك لفترة طويلة، وقد يصبح بإمكانك أن تكافح برفقته الليالي الطوال. في هذا العهد يمكن للحسّ الشعريّ أن يأخذ بك إلى ما وراء المدى، إلى قِبلة الانصياع للصوت الذي يداهمك في خلفية الحياة.ومن النص الأول الذي كان بعنوان” وأقول لجسدي بأن يسيل مع النهر، وأنتهي” يلمس المرء النهاية التي لن تكون سوى بدايةٍ أخرى، لأنه منطقياً لكل نهاية بداية ولكل بداية نهاية. دوائر لا تنتهي، أو ربما تنتهي بالفعل.
أما بالنسبة لباقي مواضيع النصوص فقد تناولت آلاء الإنسان في بداية حلمه وفي نهايته، وما يحدث حقيقة داخل الحلم باعتباره طريقة للفصل بين الواقع والخيال، وبين الخيال والواقع. يمكن للمرء حينها أن يتساءل، ما هو الصحوّ؟ وما هو الحلم؟
لأنهم قد يقولون” توقف عن الحلم، أنت تخون واقعنا الحزين” وأحياناً يقولون” خذنا معك”. وأحياناً أخرى، حين أكون مجنوناً جداً وأقتل نفسي في الداخل، أبكي عليّ. فيتسلل من عينيّ دمع، ويراه الآخرون، ويسألونني: ما الذي تفعله، فأجيب أحياناً: أدفن نفسي.
أما في الباب الثاني، تأخذ آلاء بساطة الأمكنة وتعقيداتها إلى بعدها الخاص، وحالتها الخاصة، حيث يبدأ التحول الصوتي في حوارٍ طويل بين الأمنكة والإنسان، ويبدأ النص بافتتاحية مذهلة، وتقول:” لم أعرف بأن الأمكنة تفقد وهجها مثل البشر”. في ما يلي من النص يلاحظ الزمن وهو يمر بعبئه على المكان، ليتساءل المرء بعد مدة عن المكان: ” كيف ألفناها؟” بعد ذلك يخرج المرء بناتج الوحدة، حيث أن الزمن لن يكون إلا سيولة ثقيلة ومالحة .. أقتبس” الإنسان وحيد، ويمتد أمامه الضياع شاسعاً، ولا حدود لضياعه، فالداخل والخارج شكلان متماثلان للضياع ذاته، ففي الغرفة الدافئة، قد يشعر المرء بذات الضياع الذي يشعر به في ليل البراري”.
ولا يمكن أن يُغفل عن السؤال الذي يتكرر طوال الوقت،” ماذا سيحل بنا؟”
أما في نص ” العبور نحو خيام الأمهات المضيئة” ونص ” رأيتك تناديك الغزالات التي يقتلها شرودها” يمكن للمرء أن يلمس عاطفته الشجية تجاه الأمومة وما يندرج تحتها من وطءٍ قاتل في بعض الأحيان، حيث مثلت العائلة أكبر من فكرة شعرية، مثلت العائلة نقطة تحول في قلب الإنسان ومخرجاته العاطفية.
وفي الباب الثالث: في نص ” عرائس الدمى الصغيرة” تعود العائلة باعتبارها منجاة من السقوط وفخاً كذلك، لا يمكن اعتبارها حالة مثالية، بل حالةً بين الحياة والموت، حيث يمكن اعتبار الانسان امتداد للأب والأم، للطموحات التي يجد نفسه عبداً مثالياً لها.
وأقتبس” حبلنا بأبناء آبائنا ووضعناً حزناً مشوهاً.. لفظنا قلوبنا، وخنوع أمهاتنا مع الولادة وقلنا، هذي الحياة التي لا نريد، فكيف تبدو الحياة التي نريد؟
ويكمل المرء مسيرة الوطء في النصين الأخيرين والتي حملت عنوان” لسنا سوى خطأ إذن؟” و ” الأمهات يبسن في الظل”.
وفي الباب الرابع تأتي الخاتمة، خاتمة النصوص بفرادة منقطعة النظير،حتى ليظن المرء أنه لا يمكن أن تكون أفضل من ذلك!
مشينا وحدنا دروباً طويلة، وهذا العهد دربٌ طويل، كُتب من أجل أن يكون رفيق هذه المسافة.
أحمد صالح