الفنان وليد عبيد في معرضه (ما قبل الطوفان): لوحاتي ليست تقريراً للواقع بل صنع واقع مواز له.
افتتح مطلع يناير معرض«ما قبل الطوفان» للفنان المصري وليد عبيد، في جاليري ضي أتيليه العرب للثقافة والفنون.. وضم المعرض ما يقرب من ٣٠ لوحة، منها أربع لوحات تُعرض لأول مرة، وتحمل العناوين التالية: «الواقع الافتراضي»، «انتصارات صغيرة»، «الخروج»، «بورتريه شخصي» ونلاحظ أن اللوحات الجديدة تحمل تيمة «الخروج» التي يعبر عنها أيضًا عنوان المعرض «ما قبل الطوفان».
عند سؤال الفنان عبيد عن سبب اختياره لهذا العنوان، أجاب قائلًا بأنه يعبر عن أمرين، أحدهما عام، والآخر شخصي، وأشار عبيد إلى أن الفنانين يمتلكون حدسًا فطريًا يقترب إلى حد كبير من الحدس الحيواني بمعناه الإيجابي، إذ إن هذا الحدس ينبئ الإنسان باقتراب حدوث «الطوفان» الذي يحمل بقدومه تغييرًا قد يؤثر على الواقع إما بالإيجاب أو بالسلب.
وبالنسبة للمعنى الشخصي، فهو يعبر عن بداية مرحلة جديدة في حياة عبيد الفنية، إذ إن الطوفان بالنسبة إليه يأذن بانتهاء مرحلة وبداية مرحلة أخرى، يجهز لها الكثير من الأفكار والأساليب الجديدة، وقد يكون أهم ما يميز هذه المرحلة هو الأسلوب الذي سيستخدمه عبيد خلالها، والذي قد ابتدأ باستخدامه بالفعل في لوحاته الأربعة الأخيرة، وهو أسلوب» ميتافيزيقيا الواقع.» ومن المعروف أن الفنان عبيد كان يعتمد في رسم لوحاته على أسلوب «الواقعية التعبيرية.» التي وصفها بأنها «ليست تصويرًا للواقع كما هو، بل خلق من عناصره الواقعية واقعًا آخر، هو اللوحة.» غير أن عبيد صرح بأنه على وشك أن يبارح هذه المرحلة، لأنه يشعر بأنه استنفذ الموضوعات الواقعية التي يمكن أن تؤثر فيه وفي الناس، وهو في طور الاتجاه للتعبير عمَّا وراء الواقع أو عن الواقع بشكل ميتافيزيقي، وذلك بالولوج إلى العمق الشخصي للناس أو للشخصيات التي يقوم برسمها، فمثلًا عوضًا عن تصوير الشخص المظلوم أو المقيد من الخارج وحسب، أصبح أكثر اهتمامًا بتصوير دواخل هذا الإنسان المظلوم وتناقضاته وتعقيداته الميتافيزيقية.
وبالنسبة للموضوعات التي يتناولها الفنان وليد عبيد في لوحاته، فقد ضمنت معظم اللوحات المرأة، بأطوارها وأحوالها المختلفة، وعند سؤال الفنان عبيد عن سبب اهتمامه الكبير بتصوير المرأة في لوحاته، أجاب قائلًا بأن الاهتمام بالانسان بشكل عام يوجب الاهتمام بالمرأة، باعتبارها أم الإنسانية جمعاء، فالإنسان كثير التفكير بمنشأه وأصله وجذوره، والمرأة ترمز إلى الرحم والأم والوطن والحبيبة والسكن. إضافة إلى ذلك، يرى عبيد بأن الاهتمام بالمرأة يعود أيضًا إلى ثرائها الإنساني، حيث أن تركيزه عليها دونًا عن الرجل، يعود من وجهة نظره إلى كونها أكثر جمالًا وامتلاء بالتفاصيل المدهشة والعوالم غير المنتهية.
اهتم عبيد أيضًا بتصوير الاضطهاد الذي يقع على المرأة في المجتمعات التي تعيش فيها، إلا أنه أوضح أن جميع النساء في لوحاته قويات، مهما كانت الظروف التي رُسمن فيها.. ففي لوحة:» امرأة حرة في سجن» رسم عبيد قيودًا حول معصمي المرأة في اللوحة، غير أن نظرتها المتحدية وطريقة مسكها للسيجار تعكسان قوة داخلية تتمتع بها هذه المرأة.
رسم عبيد حالات مختلفة للمرأة تعبر عن جوانب كثيرة في حياتها الاجتماعية، وناقش في لوحاته موضوعات مهمة مثل زواج القاصرات والعذرية وبنات الليل والحب المزيف، في صور زواج القاصرات في لوحة» مشهد الجريمة»، كما صور العنف الجسدي في إحدى لوحاته وأسماها» فعل فاضح» لأنه يرى أن الفعل الفاضح الحقيقي هو العنف.
اهتم عبيد أيضًا برسم الحيوان كثيرًا في لوحاته، فمعظم لوحاته تتضمن امرأة وحيوان هو غالبًا قط، ويرى عبيد أن القطة تشبه المرأة إلى حد كبير، فهي تمتلك مخالب باستطاعتها التعبير عن نفسها، لكنها في الآن ذاته تحمل وداعة ولطف كبيرين.
أما بالنسبة لبداية الفنان وليد عبيد الفنية فقد صرح بأن لنشأته في اليمن بالغ الأثر على تكوين رؤيته الجمالية والفنية، حيث انتقلت عائلته لليمن عندما كان في عمر السنتين، وعاش فيها مدة ثمان سنوات بعد ذلك. وقد أوضح عبيد بأن الطبيعة كانت مدرسته الأولى في الفن، كما أوضح بأنه تأثر أيضًا بالفلكلور اليمني وبطبيعة الشعب المحب للأطفال، وأيضًا بحكمته وبلاغته اللذين يتميز بهما حتى الأميون منهم.
وأوضح عبيد بأنه كان لوالده أيضًا أثر كبير في تطوير موهبته الفنية، حيث وفر له أدوات الرسم في سن صغيرة، على الرغم من أن والده لم يكن فنانًا، لكنه انتبه إلى موهبته وعمل على تشجعيه وتوفير ما يلزم لصقل الموهبة.
وبالعودة إلى اللوحات الأربعة التي عرضت لأول مرة في معرض «ما قبل الطوفان»، نجد أن أول لوحة بعنوان:» واقع افتراضي» وهي أولى لوحات مرحلة:» ميتافيزيقيا الواقع.» وعلى الرغم من عدم استحسان تفسير اللوحات الفنية أو إلباسها معنى محدد، لأن تعدد القراءات والتعابير تمنح العمل حيوات متعددة قد تفوق أحيانًا تفسير الفنان نفسه، غير أن اعبيد يقدم لنا مفاتيح بسيطة يمكن من خلالها التعرف أكثر على لوحاته. فيقول بأن هذه اللوحة إن تعبر هذه اللوحة عن الإنسان في عصر التواصل الاجتماعي، إذ تصور امرأة تقف في «مفرمة» وهي ترتدي نظارة «ثري جي»، كما تصور المرأة ذاتها وهي تجلس ممسكة هاتفها، تتابع الأثر الذي أحدثه عرضها لحياتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الخلفية تظهر ملائكة بالقرب من قبرها، بينما يظهر في عمق ظلها المنعكس سلالم للقبر، المرسوم على الطريقة المصرية في بناء القبور، بالإضافة لعدم استقرار الأرضية التي تقف عليها المرأة، حيث تظهر البلاطات مكسرة، كما يظهر أيضًا ذباب عملاق يقف بالقرب من المفرمة منتظرًا خروج لحم المرأة منه.
أما عن اللوحة الثانية والتي حملت عنوان: «انتصارات صغيرة» وتعبر عن الحروب، حيث تفرش الأرض بسجاجيد حمراء نُسجت من دماء الضحايا، كما تجلس امرأة ترتدي رداءً وبوطًا عسكريًا وخلفها يقف جنيرال عسكري، ويُلاحظ وجود الحيوانات الألفية في هذه اللوحة أيضًا، كما قد تعبر الأشجار في الخلفية عن الأمل، بحسب رأي الفنان عبيد، على الرغم من الدمار الذي تستعرضه اللوحة.
وبالنسبة للوحة «الخروج» فتعبر عن الخروج عمومًا، إلى الحرية وإلى البراح وإلى الحياة، الخروج من الأرض، الخروج إلى سطح الماء. حيث تقف في هذه اللوحة امرأة في وضع الخروج، ويتدلى من يدها مفتاح الحياة، بينما يظهر في أحشائها جنين يستعد للخروج أيضًا.
أما عن اللوحة الأخيرة فهي عبارة عن بورتريه شخصي، حيث يقول الفنان عبيد بأنه في هذه اللوحة بدأت تتبلور معالم الأسلوب الجديد الذي يتبعه في الرسم، إذ إن الأشياء داخل اللوحة بدأت تتخذ شكلًا أكثر هلامية، حيث تبدو الخطوط والألوان ومعالم اللوحة وكأنها متحركة، كما تعكس هذه اللوحة أيضًا بألوانها ومعالمها، شغف الخروج من الطوفان والتحرر من الثوابت.
المقال الأصلي:
http://alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=2331