رحلة «سعاد» من الزقازيق إلى مهرجان «كان»: حوار مع المخرجة آيتن أمين
جاءت بداية اكتشافي للمخرجة آيتن أمين مع فلمها الروائي الأول «فيلا 69» من بطولة خالد أبو النجا. شعرت حينها بأن في الفلم شيئًا مختلفًا….
مشهد من فلم «سعاد» للمخرجة آيتن أمين / VIVID REELS
29 مارس، 2021
جاءت بداية اكتشافي للمخرجة آيتن أمين مع فلمها الروائي الأول «فيلا 69» من بطولة خالد أبو النجا. شعرت حينها بأن في الفلم شيئًا مختلفًا، لأن حواسي كلها تفاعلت معه، وسرعان ما أصبح من أفلامي المفضلة، وصرت أعود إليه من حين لآخر وأعيد مشاهدته.
لذلك سرني ومسَّني شخصيًا خبر ترشح فلم «سعاد»، للمخرجة ذاتها، للسعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي في دورته الثالثة والسبعين. بهذا الترشح تُعد المخرجة آيتن أمين أول مخرجة مصرية تترشح لهذه الجائزة.
يحكي فلم «سعاد»، الذي عُرض أيضًا في مهرجان برلين السينمائي، قصة أختين في مرحلة المراهقة. سعاد ورباب، تعيشان في مدينة الزقازيق، إحدى مدن الدلتا المصرية. ويصور علاقة الأختين بعضهما ببعض، والعلاقة المضطربة بين حياتهما في المدينة والحياة السرية التي تعيشانها على الانترنت.
تقع الأخت الكبرى سعاد في حب شخص يعيش في الإسكندرية، تعرفت عليه من خلال مواقع السوشال ميديا. لكن حدثًا ما يجبر رباب على متابعة رحلة أختها، والسفر للإسكندرية لمقابلة ذلك الشخص. وفي رحلتها، تكتشف أسرارًا لم تعرفها عن أختها.
عُرفت المخرجة آيتن أمين بجرأتها في تسليط الضوء على قصص لا تُعرض بكثرة في السينما، رغم انتشارها حولنا. كما تركز في أفلامها على إظهار الشخصيات النسائية بكل تعقيدها، مثلما فعلت في فلمها القصير «راجلها».
واهتمت أيضًا بقصص المراهقين واضطراب المشاعر في تلك المرحلة، مثل فلم «سعاد»، الذي عدّه بعض النقاد مؤسِّسًا لمرحلة جديدة من الواقعية المصرية.
سررنا في هذا الحوار بالحديث مع المخرجة آيتن أمين، والدردشة معها حول الفلم وأعمالها السابقة.
قبل التطرق إلى ترشح فلم «سعاد» لمهرجان «كان»، نود أن نعرف عن دخولك عالم السينما، ومتى قررت البدء في صناعة الأفلام؟
جئت من وسط بعيد عن السينما، تخرجت من كلية التجارة واشتغلت في أحد البنوك. لكن هاجس العمل في السينما دائمًا ما راودني. فالتحقت بدبلوم «آرت لاب» في الجامعة الأميركية. في البداية لم أكن متأكدة من رغبتي بالعمل في الإخراج، ما أردته تعلم الكتابة. لكن بعد التجربة وجدت أن الإخراج الأقرب إليّ، وإن كنت ما أزال أحب الكتابة وأمارسها.
معظم أفلامك ذاتية إلى حد ما، فمن أين استوحيت فكرة فلم «سعاد» وما مراحل تطورها؟
تعود فكرة الفلم إلى حادثة مشابهة عاشتها أخت إحدى صديقاتي في المدرسة، وخطرت الفكرة إليّ فجأة أثناء تصوير فلم «فيلا 69». حينها شعرت بأني أرغب بصنع فلم عنها. وعززت هذا الهاجس مصادفتي صديقتي بعدها بأيام.
عندها تحدثت إلى كاتب السيناريو محمود عزت، وعزت شاعر وكاتب شارك في كتابة «فيلا 69» برفقة القاص محمد الحاج. أخبرته بأنني أريد صنع فلم عن أختين في سن المراهقة وعن علاقتهما ببعضهما البعض وبالسوشال ميديا.
ثم أخذت الفكرة بالتبلور حين اقترحت تصوير الفلم خارج القاهرة، وأن يكون أبطال الفلم أيضًا من خارج القاهرة. إذ قلّما يُسلَّط الضوء على فتيات الأقاليم والمحافظات الصغيرة.
كنا بدأنا تجارب الأداء مع فتيات من الأقاليم أثناء كتابة الفلم، وتحدثنا معهن لساعات طويلة في مقابلات مسجلة. عندها انغمسنا في عالم الفتيات المراهقات، وتعرفنا أكثر على علاقتهن بالسوشال ميديا والعلاقات التي يدخلنها عبر الانترنت.
أردنا أيضًا الحصول على تفاصيل حقيقية وواقعية من حياتهن حتى نستخدمها في الفلم. بعدها دخلنا ورشة لتطوير السيناريو في تونس، مع المخرجة التونسية درّة أبو شوشة. كانت درّة من أوائل من أعجبوا بالفلم ودعموه، ونجحت في الحصول على تمويل له.
صُوّر فلم «سعاد» في مدينتيْ الزقازيق والإسكندرية؛ ما الأسباب التي دفعتك إلى ذلك؟ وما الصعوبات التي واجهتها في هذه التجربة؟
كان الدافع الأساسي للتصوير خارج القاهرة شعوري بأن من حق الناس في الأقاليم امتلاك صوت، وأن يصبحوا أبطال سينما، وأن يُسلَّط الضوء على قصصهم وحياتهم. أردت رواية قصص واستكشاف مدن لا أراها كثيرًا في السينما.
منح التصوير في الزقازيق الفلم بُعدًا بصريًا مختلفًا أيضًا، لأن هذه المدينة قلّما تظهر في الشاشة الكبيرة. والناس هناك ليسوا معتادين على وجود كاميرات في الشارع، فالتصوير فيها نادرًا ما يحدث.
والزقازيق أيضًا مدينة مختلفة من حيث تكوينها. أردت مكانًا يجمع ما بين الريف والمدينة في آن، والزقازيق لديها هذه الخاصية، فهي مدينة مركبة. يمكنك أن ترى المساحات الخضراء في منطقة، ثم على بعد عدة شوارع تجد بيوتًا وعمارات طويلة تشبه وسط البلد.
وجدت أن هذا الاشتباك في هوية الزقازيق كمدينة يشبه إلى حد كبير شخصية البطلة، فهي تمر بمرحلة حرجة ومضطربة، وغير قادرة على تحديد هويتها.
لم تواجهنا أية صعوباتٍ أثناء التصوير في الزقازيق. على العكس، فمن حسن حظنا أننا صورنا هناك. كان الناس متعاونين إلى حد كبير، حتى أننا استعنا ببعض الجيران من أجل تصوير بعض المشاهد، أو الاستعانة بهم كمجاميع.
ساعدَنا الناس أيضًا في تأمين بعض الديكورات الناقصة، وأعارونا كل ما احتجنا إليه من أدواتهم ومما توفر في بيوتهم، لأنهم أرادوا المساعدة بكل السبل الممكنة.
معظم الممثلين في فلم «سعاد» من الهواة، حتى أنك استعنت ببعض أهالي الحي لأداء بعض الأدوار، كما قلتِ. فكيف وجهت الممثلين ليكون أداؤهم احترافيًا في الفلم؟
استمر تدريبي للممثلين نحو خمسة أشهر، وعملت معهم دون أن يقرأوا السيناريو. كنت أروي لهم المشهد ثم أدعهم يرتجلون، ثم أعود ببعض الحوارات التي ارتجلوها إلى محمود عزت، ونبدأ باستخدامها في المشاهد. هناك ارتجالات وقعت حتى أثناء التصوير، مثل مشهد تصوير رباب لأختها سعاد في البلكونة. إذ اقترحه محمود عزت أثناء التصوير، وبالفعل صورنا المشهد بأكمله ارتجاليًّا وأبقينا عليه.
منحت تلك المساحة من حرية التجريب والارتجال الفلم هذه الواقعية و«الطزاجة»، وكنا نعمل على السيناريو حتى اللحظة الأخيرة. حتى بعد الانتهاء من تصوير الفلم، أجرينا تعديلًا على المشهد الأخير، وصورنا نهاية جديدة.
تتماهى الحدود بين الروائي والتسجيلي في فلم «سعاد»، وربما كانت هناك بوادر لهذا الأسلوب في «فيلا 69»، لكنه في «سعاد» أكثر وضوحًا. لا يتعلق الأمر بارتجال الممثلين فحسب بل أيضًا بطريقة التصوير. حدثينا عن التجربة.
نعم استخدمت هذا الأسلوب جزئيًّا في «فيلا 69». أما في «سعاد» فقد كنت أكثر جرأة وثقة، فاعتمدت الأسلوب في تنفيذ الفلم بأكمله. وتعود الثقة إلى الخبرة التي اكتسبتها، فلم أكن خائفة من التجربة.
وبالنسبة للتصوير، توفرت حرية كبيرة في الحركة. صورنا الفلم وكأننا نصور فلمًا تسجيليًّا، فيتحرك المصور بخفة خلف الممثلين، ونرتجل نحن الحركة أثناء التصوير. كذلك صُوّر الفلم بأكمله بعدسة واحدة: العدسة الطبيعية 30. كان قرارًا اتخذته قبل البدء بالتصوير: أن يصور الفلم بأكمله بعدسة واحدة، دون أي تغييرات متعلقة بأسباب جمالية.
حدثينا عن رحلة فلم «سعاد» الإنتاجية.
كانت رحلة الفلم الإنتاجية طويلة وشاقة استمرت خمس سنوات. بدأنا العمل على «سعاد» عام 2015، ثم توقفنا لتصوير مسلسل «سابع جار» في 2017، قبل عودتي واستكمال الفلم في 2018.
لم يتحمس أحد للفلم في البداية، ولم يرغب أحد بتمويله، ربما لأنهم لم يروا فيه قضية يجب دعمها، فالفلم في النهاية يتحدث عن قصة مراهقتين. لكن أول من آمنت بالفلم ودعمته المنتجة التونسية درة أبو شوشة، وحاولت الحصول على تمويل له.
وفي النهاية، أنتج الفلم صديق يدعى سامح عواض الذي دخل غمار تجربة الإنتاج لأول مرة، وصورنا الفلم بماله الخاص، إلى أن تمكننا من الحصول على دعم، بعد تصوير عدة أيام من الفلم. فمن الأسهل الحصول على دعم لفلم صُور جزء منه، وليس مجرد سيناريو.
في الجزء الثاني من الفلم، واجهنا مشكلة في التمويل أيضًا، خاصة وأن الوقت كان ينفذ منا. فالممثلة التي أدت دور رباب كانت تكبر، ولأنني بدأت بالعمل معها في سن الرابعة عشرة، مع وصولنا نصف الفلم كانت بلغت السادسة عشرة. شكَّل ذلك مشكلة حقيقية، لكن المنتج محمد حفظي تدخَّل وقرر إنتاج بقية الفلم.
ركزت في «سعاد» على فترة مهمة وهي فترة المراهقة، كما أبديت اهتمامًا بها أيضًا في فلم «ربيع 89»، فما أسباب اهتمامك بهذا الموضوع؟
في الحقيقة، لطالما شغلتني فترة المراهقة، إذ أشعر بأنها المرحلة التي تتكون فيها شخصية الإنسان. وقد يعود ولعي بها لكونها فترة مركَّبة وملأى بالتقلبات، فهي بين البينيْن؛ الناس فيها ليسوا أطفالًا، لكنهم أيضًا ليسوا ناضجين.
ولا أرى في السينما كثيرًا من مواضيع المراهقة، لذا وباختصار، أود سرد القصص التي أتمنى مشاهدتها.
لديك اهتمام أيضًا بالشخصيات النسائية، وتصويرك للمرأة في أفلامك ليس نمطيًا. فالقصص التي تروينها بسيطة وحياتية ويمكن رؤيتها في كل مكان حولنا، لكنها البساطة الملأى بالتعقيد.
كما في فلم «راجلها»، المستمد من قصة حقيقية لأهداف سويف، الذي صوَّر امرأة تشعر بالوحدة والاضطراب بعد ترك زوجها لها وزواجه من أخرى أصغر سنًا. صوَّر مشاعرها المعقدة والأساليب التي استخدمتها لاستعادة زوجها.
فحدثينا عن النساء في أفلامك، وما الطريقة التي تحرصين على تقديمهن بها؟
أشعر بضرورة تقديم الشخصيات النسائية بكامل تعقيداتهن والغوص عميقًا داخل ذواتهن، وأهتم بالتعامل معهن باعتبارهن شخصيات إنسانية مستقلة لها كيانها وحياتها وبساطتها وتعقيدها. أي أقدّمهن بعيدًا عن كونهن جزءًا من حياة الرجل، حيث يُنظر إليهن من خلال عينيه، أو دائرات في فلكه.
لا تضعين قيودًا محددة في أفلامك، وواجه فلم «راجلها» انتقادًا كبيرًا بسبب جرأته وتطرقه إلى مواضيع محرمة في المجتمع المصري مثل المثلية الجنسية بين النساء. كيف تعاملت مع النقد وما المخاوف التي واجهتك أثناء تنفيذ الفلم؟
تخوّفت من عجزي على تقديم الفكرة بصورة ملائمة، لأنها كانت في غاية التعقيد. لكن سعد هنداوي، المشرف على المشروع، شجعني على تنفيذها. كما اعترتني مخاوف في البداية بسبب جرأة الفكرة، لكني شعرت بأن هذا ما أرغب بالقيام به، وقررت تنفيذ الفلم دون تردد.
وواجه الفلم بالفعل نقدًا حادًّا أثناء عرضه، وفي الحقيقة لم يُعرض كثيرًا داخل مصر لأن صالات عديدة رفضت عرضه. كما اقترحت أماكن أخرى عرض الفلم بشرط حذف المشهد الذي تسبب بالانتقاد، لكني رفضت حذفه، لأن ذلك سيُخل بالقصة، فرفضوا هم عرضه.
في المقابل، كثيرون أحبوا الفلم ودعموه وحرصوا على عرضه، حيث عُرض في مركز الإبداع في الأوبرا عدة مرات، وكتب عنه عدد من النقاد.
كيف تتمكنين من التقاط وعرض أكثر القصص بساطة بهذا الأسلوب المشوق دون الوقوع في فخ الرتابة أو الملل؟
أتحرك دائمًا انطلاقًا من الشخصيات. حين عملنا على مسلسل «سابع جار» مثلًا، تحركنا انطلاقًا من الشخصيات لا من الأحداث والحبكة. فالشخصيات المحرك الأساسي بالنسبة لي، وأرغب طوال الوقت بالتحدث مع الناس واكتشاف شخصياتهم. ولا أعرف عن مسألة الرتابة هذه، لكني أحاول ما استطعت أن أكون صادقة في التعامل مع الناس وفي الكتابة عنهم وتقديمهم، وأظن أنّ هذا ما يصنع الفرق. CLICK TO TWEET
ما أثر الترشح للسعفة الذهبية لمهرجان «كان» عليك، وعلى مشاريعك القادمة، وعلى الفلم أيضًا؟ وهل توقعت الترشح؟
أثناء كتابة الفلم مع محمود عزت، كنت أقول له مازحة إننا سنفوز بالسعفة الذهبية، لكنه كان مجرد كلام تشجيعي. وعندما أُعلن عن الترشيح فعلًا، سعدت كثيرًا، لأنني شعرت بأن هناك تقديرًا فنيًا للفلم، لا سيما أنه لا يتحدث عن قضايا كبيرة.
لفترة طويلة، كانت الأفلام العربية التي تترشح لمهرجانات عالمية تتناول غالبًا قضايا ساخنة أو كبرى. لكن «سعاد» ليس فلمًا عن قضية، بل هو عملٌ يحكي قصة مراهقين، لذلك سعدت بترشحه.
أما تأثير ذلك على مشوار الفلم، فسيكون عظيمًا بكل تأكيد، فمن السهل توزيع الفلم متى ما حمل شعار السعفة الذهبية.