شخص حزينٌ لكنه بخير تمامًا – ٢٠١٤
شخص حزينٌ لكنه بخير تمامًا. – مايشبه اليوميات – 25 نوفبمر 2014 .
الساعة التاسعة والنصف مساء، عزيزي …، أشعر بالقلق، هناك العديد من الأشياء التي أتساءل حقا كيف سأكتبها، الأشياء التي ليس بمقدور إنسان ما أن يكتبها، إذ تصبح الكتابة عنها بلا جدوى، كيف ستكتب لإنسان ما شعور الوقوف تحت المطر مثلا؟ إنها أشياء تعاش، من المحزن أنني لا أملك غير الكتابة، لطالما ظننت دائما أنها كل شيء، لكنني منذ لحظات انتفضت فجأة مثل حصان اكتشف عبوديته للتو حين أدركت أنها لا شيء، الكتابة ليست أي شيء، لم تكن يوما كذلك..
لقد تلقيت خطابك يا عزيزي، لقد لاحظت كيف يهمك أن أكون بخير بالقدر الذي لم أهتم أنا به أن أكون بخير أبدا.
لا أعرف كيف يبدو شخص ما حين يكون بخير، لا أعرف متى أنظر إلى شخص ما ثم ألاحظ أنه بخير تماما، ولا أعرف أبدا بماذا من المفترض أن أشعر حتى أقول أنني الآن بخير، لا أعرف، لكنني أشعر بالراحة في تنوري، أحس بقدر لا بأس به من السرور حين أشعر أنني شخص ممتليء بالحزن، إن الحزن يشعرني بالإمتلاء، لا أشعر بالسعادة وأفضل أن أشعر بالحزن على ألا أشعر بشيء مطلقا، لا أحب أن أشعر بما يشعر به جمر مطفأ، الأمر مؤسف حين تشعر بما بشعر به جمر مطفأ، هذا حزين.
إن هذه طبيعتي، أكون في أوج الحياة حين أكون في أوج حزني، في أوج اشتعالي.
لا أريدك أن تقلق يا عزيزي، أنا أستيقظ كل صباح بشيء من الفزع كشخص يستيقظ فوق حافة لأتحسس قلبي، أنا أشعر بقدر من الراحة والسرور الخفي حين أدرك أن حزني ووحدتي ما زالا بحوزتي، لا يهمني أن أخسر أي شيء في هذا العالم ما دمت أمتلك قلبي بقبائل الحزن التي تتمشى فيه وهي تتأبط وحدتها وتتحس حزن قلبها، إن قلبي بحوزتي كقلم في جيب علوي. هذا مطمئن.
إنني شخص حزين دائما لكنني لست بحال سيئة، لم أكن يوما كذلك. هل يسمي الناس ما أبدو عليه حالا سيئا؟ إنه إذن لأمر مسل أن تكون بحال سيئة. إن بإمكاني حين أكون في أوج حزني أن أصرخ: أنا شخص سعيد، وحينها اكون شخصا سعيدا فعلا، دائما أشعر بالسعادة حين أكون في أوج حزني. هذا غريب. أوووه يا إلهي الحليم إنني شخص مجنون تماما، أنا شخص مجنون بالكامل، من المؤسف أنني لا يبدو علي ذلك، أنا لست ما أبدو عليه.
أنا شخص لوحده لكنني لست شخصا وحيدا، لا أعرف بماذا يشعر إنسان ما حين لا يكون وحيدا، إنني مثل شجرة في مكان خال، شجرة وحيدة ومتآكلة لكنها تحب كونها كذلك، مثل جدار مهدم لا يريد أن يعيد بناءه أحد، إنه يغضب حين يسمع مايردد الناس عن كونه جدارا مهدما ويقول بشيء من الحزن: آه يا أغبياء لو تعلمون كم بكيت لليال وليال لأنني كنت أشعر بالتعب من شدة الوقوف، لقد وقفت طويلا، آن أوان أن أستريح، إنه الكلام ذاته الذي تقوله شجرة أصبحت كرسيا أو طاولة: أربع أقدام أفضل بكثير من قدم واحدة.
أحب ما أعيشه، أو لم أحب ما أعشه ابدا لكنني لم أكرهه. احيانا أعتقد أنه كم سيكون رائعا لو أنني أعيش شيئا آخر، لكن هذا لن يجعلني أعيش شيئا آخر. فلم قد أهتم إذن؟
هناك أمر آخر أتمنى من كل قلبه لو أستطيع شرحه لك، الكتابة بالنسبة لي نوع من الإنفصال عن الواقع، لماذا قد أكتب عن واقعي؟ أنا أكتب لأهرب منه، رغم أنه ليس سيئا إلى حد كبير، لكنني أشعر بمسؤولية الشاعر حين انظر لكل هذا الخراب في العالم ثم ما ألبث أن أشعر بهذا الخراب في قلبي، العالم يصوب أسهمه تجاه قلبي، لقد أصابتني، حتى تلك الأسهم التي لم تصبني أبدا، اشعر أن شقاء العالمين شقائي.
أنا اعتبر الحياة الكتابة حياة موازية للحياة الطبيعية، حيث الواقع يلزمك ان تعيشه بوعيك، أما الكتابة فإن عليك أن تصل من خلالها إلى أعلى درجات اللاوعي، إلى أعمق مساحة في النفس البشرية، إنني حين أكتب أهوي إلى اعماقي بينما لا أستطيع أن أعيش بحالة اللاوعي هذه في حياتي اليومية إذ يستلزم العيش فيها وعيا كاملا، حين أنتهي من الكتابة أنا أفيق، كأن أصحو من حلم أو إغماءة.
أحيانا يستيقظ شخص ما من نومه ثم حين يسترجع حلمه يقول: يا إلهي هذا سخيف، يحدث ذلك دائما، أن أقرأ شيئا كتبته للتو ثم أقول: يا إلهي هذا جنون، لو كنت غيري لما كففت أبدا عن نعتي بالجنون.
يحدث أن تشعر بشيء ما لكنك بعد دقائق تشعر انك ما عدت تشعر به، أحيانا حين أقرأ ما أكتبه اتساءل: كيف يشعر شخص بكل هذا الحزن؟ إنني حتى أحيانا أقسم أنني لو كنت أنا من شعرت بهذا الحزن لكنت قتلت نفسي، هذا جنون.
إنني شعب بأكمله، انا أكثر من شخص في جسد واحد، في قلبي أمم من الأحزان لا تكف عن التناسل.
لا أريدك أن تقلق أبدا، حين أكتب أكون تحت تأثير حالة ما، أشعر بما يشعر به شخص على وشك أن ينتحر، او أشعر بما يشعر به شخص انتحر للتو. ماذا يمكن أن يكتب شخص انتحر للتو؟ إنه شعور وقتي، حالة ما تتلاشى حين أنتهي من الكتابة كلطشة فجر.
أتوسل إليك أن لا تقلق، أنا أشعر بالسعادة في أحيان كثيرة، لكن ليس علي أن أكتب حين أكون شخصا سعيدا، علي أن أعيش.
الكتابة حزن مؤقت، دائما حين أنتهي أشعر كأنني شخص عائد من غرقه، ينظر للموج خلفه ثم يهتف: يا إلهي لقد نجوت.
لقد ظللت افكر بك، حين أكتب إليك أشعر أنني أخلو إلى نفسي، دائما حين أخلو إلى نفسي أشعر بحزن طفيف، إنني أكتب إليك من عمق القبو في داخلي، لهذا يبدو ما أكتبه معتما وحزينا، قبوي معتم غير أن بقية غرفي مضيئة، أشعر بالذنب كوني أشاركك كل هذه العتمة، حين أكتب شيئا ما فأنا أفعل ذلك كي أتخلص منه تماما، لكنني أشعر بالسوء نحو نفسي حين أراني ألقي كل ما أتخلص منه داخلك، أنا آسفة، أحس أنني شخص سيء.
في خطابك السابق حين أخبرتي أنه لا يهمك كل ما قلته عن نفسي لأنك تعرف تماما أن في داخلي شخص آخر أكثر طفولة ورهافة، يا إلهي لقد شعرت حينها كأنني أحرزت هدفا، إنك تفهمني، كنت سأشعر بالحزن لو أنك آمنت بما كتبته عن نفسي، لقد كان شعورا لحظيا، هذا كل ما أريده، لا أريد شيئا غير أن تقرأ ما أكتبه ثم تلقي به خلف ظهرك، إنني أثق تماما من أنك تستطيع التمييز بين ما أنا عليه فعلا، وما أكون عليه خلال وقت قصير إنني ما أعتقده وإنني ما تعتقده، أنا كل هؤلاء، إنني أمم تتناسل.
هناك شيء آخر، تعرف شيئا، لقد شعرت بشيء من الإعتراض الخفي حين قلت أن الله لم يدعنا نختار ما نريد ولو لمرة واحدة رغم أنك على حق تماما، هذه حقيقة، لكنني دائما أشعر بنوع من عدم التصديق تجاه الحقائق، دائما أتمنى لو أنني لم أعرف ما أعرف، لا أحب أن نشعر بالعجز حتى ولو كنا أشخاصا عاجزين تماما، أنا أنظر أحيانا لأيدينا القصيرة والمبتورة ولا يعني لي ذلك أي شيء حين أرفع بصري نحو السماء واظن بشيء من اليقين الكاذب ان أيدينا وحدها ما تمسك بها، أحيانا أشعر بالزهو من قدرتنا على امساك سماء بهذا الحجم.
أتخيل أيضا حين تهز يدك، وأهز يدي أن السماء ستهوي على رؤوسنا مثل سقف قرر ان يستريح كطير في العش.
عزيزي، أشعر بحزنك في قلبي، الحياة يا عزيزي دائما تستحق أن نقاتل لأجل الحصول عليها، زاحم يا عزيزي لأجل أن تجد مكانا فيها، الحياة لا تسقط من السماء على رؤوسنا، الأمر ليس بهذه البساطة، لم يكن يوما كذلك. قاتل يا عزيزي لأجل الحصول على الحياة. أقول ذلك رغم أني قاتلت ولم أحصل على شيء 🙂 الحياة ليست سوى مقاومة، حتى لو لم نحصل على شيء أبدا، الشرف في المقاومة.
أريد أن أصرخ هذا هراء أيها العالم، هذا هراء يا إلهي الواسع، إلهنا واسع جدا وحياتنا ضيقة، هذا هراء، الأمر غير عادل. لطالما قاومنا ولم نحصل على شيء أبدا، هناك أناس تسقط الحياة على رؤوسهم بالفعل. لكنهم ليسوا نحن. لا خيار آخر، المقاومة لأنه لا خيار آخر. علينا أن نقاوم يا عزيزي، علينا ان نسير، حتى لو لم نحصل على شيء، لا أحب تصدير الآمال الزائفة لكننا علينا أن نستمر في الحياة لأن لا أحد سيهتم بموتنا، سنعيش، لن نموت كما يموت ذباب على نافذة، علينا أن نعيش حتى لو لم نفعل شيئا غير أن نضرب بأكفنا صدر هذا العالم، سنعيش، سنزاحم فالحياة زحام، سنعيش يا عزيزي، لن نموت كأرانب في قفص، سنجلس على صدر هذا العالم كصخرة ثقيلة، سنعيش، اقسم بقلبك الأخضر، بالربيع الذي في صدرك، بالقطن الذي ينبت فيك بقدر جراحنا، سنعيش يا سمائي يا بحري الواسع يا حريتي يا كتابي المقدس . سنعيش، تأكد من ذلك.
هناك شيء آخر. لا وجود للمستقبل يا عزيزي، المستقبل هو الآن، الحاضر هو اللعين الذي لم يوجد أبدا، الحاضر هو الذي يركض للوراء دائما، المستقبل في مكانه، انظر حولك، هذا اليوم البارد كعصفور ميت أليس هو المستقبل الذي كان يخيفنا على الدوام؟ المستقبل لن يذهب لأي مكان، الحاضر هو الذي يذهب دائما، عليك أن تشعر بالخوف من أن تضيع حاضرك، أما المستقبل فإنه لن يضيع أبدا.
لست خائفة مما قد تكون عليه الأمور غدا. الغد! إنه ليس شيئا يدعو للخوف، إنه مهما بلغ من السوء فإننا سنجيد التعامل معه، لقد أجدنا التعامل مع العديد من الأيام السيئة لا تنس ذلك، لقد عشنا الكثير من المستقبل السيء، وقد أجدنا التعامل معه. المستقبل هو الآن، ماعدا ذلك فإنه ليس موجودا أبدا.
الغد ليس شيئا يستحق ان يقلق بشأنه إنسان ما، سنجيد التعامل معه، او لسنا مضطرين لذلك، سيجيد التعامل مع نفسه.
العالم نكتة سمجة، لا أحد يضحك على نكتة سمجة مرتين.
إنني أقف أمام كل هذا الخوف في العالم، كل هذه الأهوال، ثم اقول بشيء من السخرية: حسنا أيها العالم لقد رأيت كل شيء الآن، لقد شعرت بكل شيء، هل هذا كل ما لديك؟
حاول يا عزيزي ألا تشعر بالخوف تجاه شيء شعرت بالخوف منه مسبقا، وحتى كل تلك الأشياء المخيفة التي لم تشعر بها، إنها مماثلة. صدقني.
يا عزيزي، حزنك يأكل قلبي، هاك عظامي توكأ عليها، هاك قلبي توسد به، لتكن عظامي عكازتك، ليكن قلبي وسادتك، وليكن جلدي غطاؤك، هناك متسع مني لك دائما.
حاول أن لا تخاف، حين يخاف إنسان ما فإنه لن يموت، لكنه لن يعيش.
لا يوجد ما يدعو للخوف يا عزيزي، سنجيد التعامل مع كل شيء، تأكد من ذلك.
لا أعرف ما الذي يقلقك تجاه ان تتغير؟ ان يتغير الناس وأنا تتغير الأشياء. لا يوجد ما يدعو للقلق، هذا طبيعي تماما، هذا يحدث دائما، من المفترض أن تخاف حين لا يحدث.
الحياة تبدل مقاساتنا على الدوام، هذا طبيعي، نخلع حياتنا شخصياتنا يأسنا ومخاوفنا كما نخلع القميص، نخلعها لنرتدي غيرها.
تعلم أن تكون مرنا كي تناسب جميع المقاسات، هذا ما فعلته وتوقفت عن الخوف منذ وقت طويل.
..
آلاء حسانين.
25 نوفمبر 2014.