الموهبة
أؤمن بأن الموهبة – أية موهبة- ليست ملكًا لصاحبها في الأصل، بل هي نعمة يتحتم على من منحت له أن يقدرها، ويأخذها بجدية، ويستفيد منها بأكبر قدر ممكن.. أجد أناسًا موهوبين للغاية، لكنهم لا يقدرون مواهبهم، يحتقرونها، يهملونها.. يتعاملون معها كما لو كانت شيئًا زائدًا.. قابلت مثلًا أناسًا في الأربعين من عمرهم، يمتلكون مواهب عظيمة، لكن ماذا فعلوا بها؟ لا شيء. أقول لنفسي: لو أنني أمتلك هذا الصوت، وهذه الموهبة في الغناء، لجعلتها تذهب بي إلى أماكن أخرى وعوالم بعيدة. لكنهم، ماذا فعلوا؟ بعضهم سجل أغنية مصادفة منذ عشر سنوات مثلًا، أو سطع نجمه في فترة ثم خبا.. وأحزن، وأشعر بالحنق، بل والغضب.. وأخاف من هؤلاء الذين لم يقدروا موهبتهم وفنهم، كيف سيقدرون فني؟ لن يقدروه.
أحترم النجاح، أحترم كل الناجحين دون استثناء، حتى من برزوا من خلال فنون لا أعجب بها كثيرًا.. أحترم السعي للنجاح والحرص عليه، وكل نجاح أجده مستحقًا لصاحبه.. حتى محمد رمضان أحترم نجاحه، وإن كنت لا أحترم الفن الذي يقدمه. هناك ألف شخص مثل محمد رمضان، لماذا برز هو ولم يبرزوا هم؟ إذا كان شخصًا بلا موهبة قدر على صنع كل هذا النجاح، فلم لم ينجح أصحاب المواهب؟ أجدهم يتسكعون، يسهرون، ليس ليوم أو ليومين.. بل لسنوات، لعشر سنوات وعشرين سنة.. وأتساءل: كيف لا يكونون مشحونين بهذا القلق؟ قلق أن يفقدوا موهبتهم أو تبهت وتتآكل، قلق يدفعهم لتطويرها باستمرار وتطوير أنفسهم. كيف يستطيعون أن يناموا ويستيقظوا دون أن تؤرقهم الرغبة في أن يبرز فنهم للعالم؟ لا أحترم الفنان الذي ليس قلقًا.. وباختصار، فأنا أشعر بأسى شديد، حين أرى موهوبًا لا يعرف قيمة نفسه أو قيمة موهبته، ولا أعني بذلك الشباب، لأني أقول: ربما لم يدركوا الأمر كله بعد. لكن أقصد من أضاعوا أعمارهم. وصلوا إلى الأربعين والخمسين ولم يفعلوا شيئًا. حينها أنأى بنفسي عنهم، أحمل حنقي وغضبي الشديدين، وأبتعد عنهم، لسبب وحيد: حتى لا أذهب إليهم وأركلهم في وجوههم.