في قيلولتي هذه، لم تكن موجودًا. السماء بصفائها تهوي على الجدران، على الأرصفة، وعلى النباتات. وأنت لستَ هنا لأقول لك ذلك. أين ذهبت؟ هل علقت في موقف حافلة ما؟ هل ما تزال قدماك تحملانك إلى المنزل؟ قلتُ: سأكتب قصيدة، طالعها غناء يشبه قلبك. قلت سأكتب عن الغياب، غيابك.. كل قصائدي تأخذ منعطفًا إليك، كل ألحاني موجه نحوك. ولحظة لا تكون موجودًا، أمضي إلى عالمٍ خفيٍ، إلى طفولة لا تشبه الضوء. تطاردني أيامي، تلحق بي بين الشجيرات، وتجر جثتي مقتولة من غابة إلى جبل. وأحتاج أن تكون هنا لأستكين، لألاعب الأشباح الصغيرة على الوسائد. أقف بثياب النوم أمام القمر، وأسأله: أين بيت حبيبي؟. يا حبيبي. أنا ظل لعالم أوسع، جسدي بوابة مفتوحة على الخراب. وأحاول أن أرى الأشياء كما هي، غير أن قلبي يطل على هوّة، اسمها العالم. ما الذي أعرفه عن الحياة؟ قلت لآخرين، مرارًا: كنت هنا من قبل، ولاحقتني كلاب مرتعشة بين الشجيرات، كنت عند البحر، ومكثت طويلًا أمام الهزائم. وأقول لك: خلقني الله، على غفلة من الكائنات. ثم أصمتُ، لأني لا أعرف يا حبيبي أي دنيا تنبع منها. تقول لي: أنا بسيط، وحياتي بسيطة. وأحاول أن أكون بمثل هذي البساطة كي أحبك أكثر، لكنّ قلبي مترع بأحزان قديمة، ليست لي. ماذا أفعل؟ أحتاج إلى أرض أطأ عليها، أحتاج إلى مقبض باب أفتحه، إلى مشجب أعلق عليه جناحيّ، وإلى منزل أدخله لأنام. جسدك منزلي، قلبك وجهتي، وما عدت بحاجة إلى هدف ما. الأهداف ثقيلة، وأنا ركضت وركضت وركضت، ولم يعد الشعر يأتي منسابًا، صار مثل الندى، يأتي قطرة قطرة. ألاحقه، أشرب من أهدابه، وأخاف يوم لا يجيء. مثلك أنت، أخاف يوم لا تجيء. من هذه الموسيقى أستدل عليك، من الأرض الرطبة، أبصر خطواتك. من النجوم الميتة، أعرف كم مرة حزنت.. من الأقمار المظلمة، أدرك أمل من ماتوا. عثرت عليّ في ممر ضيق، وأنا وجدت فيك البراح.. أتيت إلى عُشي، وكنت أدفن أحلامًا، طيورًا صغيرة مبعثرة، أجنحة مكسرة، أقدامًا هشة، كل ممر ضيق، كل كلمة تحشرج في الروح، كل غابة بداخلها جثث كثيرة. أقول: لو مت الآن، فهل سأتألم؟ ثم تجيء أنت، واضحًا، وبسيطًا، وأحيانًا لا أفهمك، أحيانا تسرح. وأنا أنظر عاليًا، أدفن طفلة نفسي، في الأعلى أدفن أيامي. شيء في الموسيقى قد تغيَر، شيء يتغير على الدوام، وتلك الأقدام الهشة تخصني، تلك الوحدة في الروح، يملؤها غيابك، وأحيانًا حين تجيء، تتسع وتتفاقم. يجدر بك أن تكون في السرير الآن، يجدر بأيامي أن تصبح أكثر اخضرارًا، يجدر بالربيع أن يحلّ، لكن غيابك يخدش شيئًا ما، في قلبي، أو ربما الخدوش القديمة، تصحو وتئن. أريد أن أقول لك، لكنّي لا أجد كلامًا، أريد أن أحبك كلك، لكن الشعر يأخذ حيزًا، وأريد أن يكون قلبي بحجم راحة يدك. هل تجيء الآن؟ وإلا فإن الموت سيأتي مرة أخرى، متسللا من حياتي الفائتة، خارجًا من البحر، من دنيا ظلماء. أريدك أن تأتي، أن تكون معي في الظهيرة، وأن نصنع الكعك معًا. أريد أن أعيش، أن أُحِب وأن أُحَب، أريد أن أصير شابة من جديد، لأزرع قلبي بالوسائد القطنية، وليكون الموت بعيدًا جدًا، ومحاصرًا. أريد أن أعيد عمري، وأن أبدأه من جديد معك.
شيء في الموسيقى قد تغيّر.

آلاء حسانين
آلاء حسانين (مواليد 1996) شاعرة وكاتبة وصحفية وناقدة سينمائية مقيمة في فرنسا. حازت جائزة اليونسكو للشعر (باريس، 2015)، وأصدرت دواوين ومجموعة قصصية منها يخرج مرتجفًا من أعماقه، العهد الجديد كليًا، حكايات السأم، الحب الذي يضاعف الوحدة، وزقاق ضيّق يذكّرني بالمطر. كتبت في منصات ثقافية بارزة مثل Thmanyah، Al-Yamama، وCinema Meem، وغطّت مهرجان كان السينمائي لعدة سنوات كصحفية معتمدة. في السينما، أنجزت فيلمها القصير Where Did You Come From? (2024) وشاركت بالتمثيل ومساعدة الإخراج في أعمال عربية متعددة.
Related Posts
والبحر فينا، هو الذي كان يبكي.
ثمة زرقة كانت في عينيه، توقًا نحو البحر، نحو شيء بعيدوكان سيمضي، كنت أعرف، لأن الحياة كانت تتهدل على كتفيهوكان…
يختلط ضوء فيك وفيَّ.
من نوافذ الألم المتصدعة، أحاول استراق النظر إلى حياتيْنا، أتكئ على أيامك، وتتكاثر فراشات زرقاء على خاصرتي. لقد مضت السنوات…
لمَ.. مرة أخرى.
December 15, 2022
شعر
تزحف إليّ تلك الذكرياتوأنا ما أزال نائمة في السريرلم أفتح بالطبع كلتا عينيّفلا أعود أعرف في أي حياة أناوأرى في…
لن أصافح أحدًا – شعر
July 16, 2021
شعر
أعيدوا أيديكم لجيوبكملن أصافح أحدًااحملوا نعشي فارغًااردموا قبريواذهبوا بعيدًااملؤوا خزاناتكم بالوقودواذهبوا للعملأو الانتخاباتأو الحرب.. أنقذوا العالموفكرواكيف تخيطون ثقب الأوزونأنجبوا أبناءًوراقبوهم…
بحثًا عن منزل ما
December 05, 2022
شعر
أحاول ألا أفكر بأشياء تدعو إلى الكآبةبالأيام الماضية التي لم أغادر خلالها المنزلبالإحباط المفاجئ الذي يرافق نهاية الحفلاتالعشر محطات القادمةالتي…
حين تطارد الأنبياء في نزهاتهم.
حين تطارد الأنبياء في نزهاتهم. ١- قالوا له: عاد البحارة في مراكب من جلود.قالوا: وكانت أضلاعهم مواربة.مشى، وخطواته دم على…
الفراغ له وزنٌ أيضًا – شعر
July 16, 2021
شعر
الفراغ، له وزن أيضًايجهد عالمٌ فيزيائي،أن يفسر لي،أن اللاشيءهو في الحقيقة،شيء أيضًا.وأنا أفكر،كيف بإمكانيأن أصوغ كل ذلكشعرًا،وكيف أستغل هذه الفوضىلأشرح…
خَرِبٌ بخرابٍ يصنعه بيديه – شعر
June 19, 2021
شعر
وُلدت في قرية مُنتَهكة، نساؤها يَلدون ولا أحد يمسح مفارقهم، يلفظون بنيهم. وأنا، لفظتني أمي. وقع وجهي على جمر، فاشتاط.…
روِّض قلبك – شعر
July 16, 2021
شعر
مثل كلب مطيعروض قلبك..على المسافات الطويلةبين الحياةوبينك..على الفراغبجانبك في السريروكرسي الباصوالمقهى..على غدائك السريعالذي تأكله واقفًافي عجالة.على الحبالذي تجترعهفي عجالةبرشفة واحدةكأنهفنجان…