في كل أسبوع يوم جمعة.. كل دا كان ليه؟
يعد مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة) أحد المسلسلات القليلة التي كسرت قوالب عديدة، فهو مسلسل مكون من عشر حلقات، معروض على إحدى المنصات الرقمية (شاهد) وموجه للكبار فقط. جميع هذه الأسباب جعلت هذا المسلسل مختلفاً، فقد تخلص من العديد من عيوب الصناعة التي تقع في دائرة 30 حلقة، ونتيجة لذلك تمتلئ بالعيوب المعتادة منها: المط في الأحداث رغم عدم احتمالها لتتناسب قالب الثلاثين، كما أن معظمها تعرض على التلفاز وتشاهد في جو عائلي، لذلك تكون قصصها محدودة ولا يسمح هذا الجو بالتطرق لمواضيع مختلفة أو أحداث موجهة للكبار. اقتبس المسلسل عن رواية للكاتب إبراهيم عبدالمجيد، وتم إعادة بناء قصص وأحداث كثيرة مختلفة عن الرواية في السيناريو، وهو من إخراج محمد شاكر خضير، ومن أعماله السابقة مسلسل (جراند أوتيل)، ومسلسل (لا تطفئ الشمس).
تدور أحداث مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة) حول فتاة لديها ماض أليم، تُزوّر وفاتها بالاتفاق مع والديها، ثم تضطر للزواج من ابن أحد كبار أغنياء القاهرة، الذي يعاني من مرض عقلي. لتبدأ قصة الفيلم الحقيقة بالتآلف الذي يحدث بين هذين الشخصيتين، والمسار الذي يأخذانه سوياً، إذ يبدآن بعدها سلسلة من الجرائم كل يوم جمعة.
تقوم ببطولة المسلسل الرئيسة الفنانة منة شلبي في دور (نور وليلى) والفنان آسر ياسين في دور (عماد)، كما تشارك الفنانة سوسن بدر في دور (مدام سوسن) والدة عماد، وتعد أيضاً إحدى شخصيات المسلسل الرئيسة.
يبدأ المسلسل بجنازة فتاة تدعى (نور) منتحرة في حي بولاق الشعبي بالقاهرة، يرفض أهل المنطقة الصلاة عليها، ويتم التعامل مع أهلها بازدراء، وبعد الانتهاء من مراسم الدفن تنتقل العائلة من القاهرة إلى الإسكندرية، وتنهض (نور) من تابوت تم تبديله بآخر اُستكملت به المراسم، ليصبح اسمها ليلى، وتتزوج من عماد، وتبدأ حياة جديدة تضطر خلالها للتخلص من الماضي مرغمة، وتمزيق صور عائلتها، والتعايش مع فكرة أنها (ميتة) بالنسبة لوالديها ولجميع من تعرف.
تجد ليلى نفسها أمام حياة قد لا تقل قسوة عن حياتها القديمة، بل ربما تظن أحياناً أنها أشد قسوة منها، إلى حد أن تجرب ذات يوم الهرب من هذه الحياة ومحاولة العودة إلى بيتها القديم في بولاق، لتجده فارغاً. فتجرب الاتصال بأهلها، لتجد جميع هواتفهم غير متوفرة في الخدمة. عندئذ تضطر للعودة إلى الفيلا التي تزوجت فيها، وتقع على الطريق الصحراوي في منطقة معزولة خارج القاهرة، لتواجه حقيقة أنها لا تملك حياة أخرى غير هذه، وأن نور ماتت، وعليها هي أيضاً التعامل مع وفاتها.
تبدأ ليلى بالتقرب من (عماد) ومحاولة اكتشاف بعض الأسرار في المنزل، في الوقت الذي تتكشف فيه للمشاهد خيوط من ماضي (نور) الذي أوصلها لهذا الحال. فيما ليلى في الحاضر تعثر على ملابس امرأة ممزقة في المخزن، لتكتشف أنها تعود لزوجة عماد السابقة. وتبدأ في مقاومة (عماد) الذي يعاني من التوحد، ويحاول التقرب منها جنسياً بعد معرفة أنها صارت زوجته، وفي الآن ذاته عليها أن تعتني به، وتكسب ثقته، وثقة عائلته التي لا تعرف ماضيها، باستثناء والدته، فهي من خططت ونفذت وصنعت هذه الحياة لنور، وحولتها إلى (ليلى).
أما آسر ياسين في شخصية عماد، فعلى الرغم من أنه لم ينطق سوى بكلمات محدودة طوال المسلسل، غير أنه أدى شخصية المصاب بالتوحد ببراعة شديدة. فعماد شخصية بريئة للغاية، كأنه طفل، غير أنه ممتلئ بالغضب تجاه المجتمع وأفراد أسرته ووالدته بالذات. ومع مرور الأحداث تتكشف أسباب هذا الغضب، رغم أنه لم يتم التركيز في المسلسل على هذا الأمر. إذ ما الذي حدث لعماد الطيب ليتمكن من القتل ببراعة واستمتاع شديدين، بحيث تلمع عيناه لرؤية الجثث بطفولة شديدة، وكأنه ذاهب للملاهي؟
وكأن عماد الطفل الذي يغضب من والديه فيقوم بتدمير ألعابه، لكن المفارقة هنا هو أن عماد لم يعد طفلاً، وأنه لا يقوم بتكسير ألعابه بل بتقطيع الجثث.
وعلى الرغم من عدم تطرق المسلسل للتحولات في شخصية عماد، أو إيضاحه الأسباب التي خلقت هذا الوحش، سوى في جمل بسيطة حين كان عماد يروي أنه كان يترك لوحده طفلاً لأسابيع، تحبسه والدته في غرفته في الوقت الذي تذهب فيه للتنزه مع ابنها الآخر.
وقد تعود أحد أهم أسباب الارتباط بين ليلى وعماد هو كون الأولى تعاملت معه بإنسانية شديدة، فبعدما اعتاد عماد أن يحبس في غرفة، وأن يتم ربطه، وأن يلقى في فيلا معزولة على الطريق الصحراوي، يحرسها شخص واحد. حدث أن تعاملت معه ليلى كإنسان، تحدثت إليه وخاطبته واعتنت به، بل وأحبته، حتى لو حدث أن استغلته لتنفيذ انتقامها. غير أن هناك رابطة قوية نشأت بينهما لأسباب تفوق حتى رابطة المحبة. فهما الاثنان منبوذان من المجتمع، مطرودان من جنته، محتقران، وملقيان في منزل بعيد. ميتان في أفضل الأحوال ومهجوران في أسوئها.
يتشابك الصراع في مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة) بين خيوط عديدة، فلا يوجد هنا صف للأخيار وصف آخر للأشرار. فالشخصيات ليست بيضاء أو سوداء، بل هي شخصيات متعددة الألوان، صفراء وزرقاء ورمادية. فحيناً تتعاطف معها وحيناً تغضب منها، وفي أحيان كثيرة تخاف منها، لأنها شخصيات تشبهنا، والخوف هنا من أن نتحول إلى تحولات مماثلة لتحولاتها.
ثم على الأصعدة الأخرى، تجد نور أن هذا الماضي التي اضطرت أن تقتل نفسها فيه، من أجل أن تنجو منه، ما يزال يلاحقها ويبحث عنها ويتسلل إلى حياتها الجديدة، فتدرك أن صراعها معه لن ينتهي.
وفي حاضرها، هناك هذا الصراع مع هويتها الجديدة وتقبلها لها، وصراع آخر مع والدة عماد، الربة التي خلقت ليلى ومنحتها الحياة، ومحاولة ليلى التخلص من سيطرتها والإفلات من قبضتها.
ثم هذا الصراع مع عماد، الذي يجب أن يكون ناعماً، من أجل أن يحبها ويخضع لها في الآن ذاته.
يشبه عماد هنا، أو بالتحديد حين تعرفت إليه ليلى، كومة قش تنتظر شعلة من نار، ولن تتردد في أن تحرق نفسها ومن حولها. وقد منحت ليلى عماد ما يتعطش له: الانتقام. والذي كان بالصدفة ما تتعطش له أيضاً، وهكذا أصبحا بهذا الارتباط، لأن لديهما الماضي نفسه، ويسيران مصادفة أيضاً، للمستقبل ذاته.
وعلى الرغم من العنف الصادر منهما، فلا يمكن للمشاهد سوى أن يتعاطف معهما، وأن يغضب منهما، وأن يخاف عليهما، وأن يشفق أيضاً شفقته على نفسه لو حدث وأصبح مكانهما، وهذا ليس مستبعداً. فنور وليلى وعماد في النهاية لم يخلقوا هذا العنف، بل أعادوا تدويره. كأنه كرة ثلج رماها المجتمع والعائلة والماضي باتجاههم، فلم يفعلوا سوى أن أعادوا للمجتمع كرته، لكن بعد أن كبرت ونمت وأصبحت بهذه الضخامة.
مثلت الفيلا المعزولة على الطريق الصحراوي (الجنة) لآدم وحواء، فعماد هنا يمثل (آدم) بضعفه الإنساني وخوفه وغضبه وعنفه، وليلى كانت (حواء) التي مُنحت له لتكون قلبه. وهذا ما مثلته ليلى لعماد، فهي الوحيدة التي استطاعت أن تروضه وتحتوي فزعه وتهون عليه طرده من جنتهما، فقد احتضنت حواء آدم في الحلقة الأخيرة، اختبأ فيها، وأمسكت بيده ليصعدا سوياً نحو العربة المصفحة، التي ستحملهما نحو قدرهما، أو عقوبتهما، حيث (الأرض) ليشقيا فيها ويتعبان، وهي السجن أو الإعدام أو أياً ما ستكون عليه عقوبتهما، فهو الشقاء، وإن تعددت أشكاله.
استطاع مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة) التأثير في المشاهد، وعلى الرغم من أنه لم يحصل على الصدى الذي يستحقه، غير أن المخرج وطاقم العمل هنا كانت لديهم الجرأة الكافية للتجريب، وكسر قوالب عديدة، وشق طريق جديد للدراما المصرية والعربية، وآخرون سيتشجعون حتماً من أجل السير فيه.
ومن الملاحظ في النهاية أن أحداث هذا المسلسل وتحولات شخصياته، والجرائم العديدة التي اقترفوها، كان يمكن تجنبها، فقط لو أن المجتمع منحهم القليل من العطف، لو أن أهل نور رأفوا بها، لو أن والدة عماد لم تهمله ولم تحبسه، لو أن المجتمع لم يُهجّر عائلة نور حتى ماتت أمها قهراً. فأقل قدر من الرحمة كان يمكن أن يصلح كل هذا، وهذه القسوة التي وجهها المجتمع نحو أبنائه، من أجل أخطاء طفيفة، هي السبب في صنع شخصيات انتقامية مثل ليلى وعماد. وهذا يجعلنا نسائل المجتمع ونحاسبه ونقول له: كل دا كان ليه؟
المجلة العربية http://www.arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?id=8200#