“من الكلام الذي يتركه المنتحرون عابرًا في فندق ما” – رسالة انتحار ٢٠١٤.
الليلة السابعة من يوليو.. أكره هذا الشهر، اسمه بغيض.. كلما سمعته شعرت بأنني على وشك أن أتقيأ طفلا مشوهًا.. أكره شهر يونيو كذلك وكل الأسماء التي على هذا الوزن.
عمومًا، لا أتذكر أنني أحب شيئا ما حبا كثيرا.. وكلما شعرت بأنني قد أعجب بشيء ما، أسارع بالتخلص منه.. دائما دائما، أتخلص –بمرارة بالغة– من كل الأشياء/الأشخاص/ والأماكن التي أحبها.. أفضل أن أكون خفيفا مثل طير ينفض كل ما علق به ويطير.
حتى الكتب، الكتب التي أحبها بطريقة رهيبة سرعان ما أتخلص منها بطريقة بشعة جدا.. عادة أمزقها أو أضع عليها البطاطا المقلية أو أحرقها وأحيانا اخرى اضعها أمام العتبة، المضحك أنني أبكي بشدة حين أفعل ذلك.
أتخيل أنني لو كنت أما –هذا في حال فقدت عقلي طبعا– كنت سأحب ابني حبا كثيرا درجة أن أقطع شراينه أو أقتله بطريقة رحيمة.. كأن اعطيه منوما لا يجعله يستيقظ أبدا.. وبالطبع سأبرر قتلتي الرحيمة هذه بأنني اخاف عليه الحياة.. وهذه الحقيقة. إنني انظر لكل الأطفال الصغار واتخيل مدى البشاعة التي ارتكبها أهلهم.. كيف يحضر أولاد العاهرة اطفالا في عالم كهذا؟ يا إلهي ماهذه الفظاظة؟ أكره الأمهات، لأنهن يفعلن أبشع جريمة في العالم بينما يبتسمن. أكره امي كذلك لا أستطيع أن أنكر.. أنا آسفة لكني لا استطيع أن أنكر. ربما أحبها قليلا قليلا فقط لسبب بسيط وهو أنني أشعر أنها تحاول التكفير عن ذنب إنجابي بأن تسير في كل الطرق التي أمشي فيها أولا.. تمهد الطريق لي، طريق الحياة المؤدي إلى الموت. ماذا نفعل في هذه الحياة؟ نسير ونسير ثم نموت. يا إلهي لقد كانت تجربة فاشلة أن أعيش.. ربما من الأفضل لو كنتُ كوكبا، وبدلا من أموت بسلام كنتُ سأنفجر وسأخرج من هذا العالم كأي إنسان يخرج معلنا غضبه.. كأن يصفق الباب خلفه ويمضي.
ماذا أفعل طوال النهار؟ ماذا فعلت خلال 18 عاما؟ ماهذا القرف؟ لا أستطيع أن أتخيل أنني سأعيش أكثر من ذلك! ماذا يفعل الناس في حياتهم؟ ماذا تفعل النساء ؟ تأكل وتشرب وتدرس وتتزوج وحين تنجب الواحدة طفلا تضحك وتبتسم مثل أولاد الزواني ثم تترهل صدورهن وبطونهن ويمتن أخيرا عليهن اللعنة.
أريد أن احرق نفسي حيا، أريد أن أتخلص مني.. إنني نتيجة لفكرة سيئة. ” سأخلق إنسانا ” هذا أسوأ من اختراع الطائرات.. أسوأ بكثير من أن يجلس كائن بغيض على كرسي ويحلق، ثم يظن نفسه قد احتل السماء أيضا.
البشر ذباب في هذا الكون.. إنني محض ذباب بغيض وأتمنى لو أن أحدهم يدهسني بقدمه وأموت.
أوه ياصديقتي ماذا أفعل؟ أصوم كالكلب طوال النهار وأتأمل السماء الشاسعة في الليل وحين أدرك وياللأسف أنني مجرد حشرة أخلد للنوم. إنني كائن وحيد للغاية وقد اخترت ذلك.. لم أرَ أي بشر منذ مدة طويلة جدا حتى أهلي. لا أدري لماذا يكون للإنسان أهل! يتواجدون حوله رغما عنه ويقولون نحن أهلك. ماهذه الأغصان التي تتشعب مني؟ انني لا استطيع ان اتحمل أنني أنتمي لي، حتى تنغرز في جذعي كل هذه الأشواك.. وكلما ولد في العائلة شخص جديد انغرزت فيّ شوكة أخرى، لكني تخلصت منهم جميعا، قطعت كل هذه الأشواك ومن شدة ماقطعت أذيتُ نفسي وقطعتُ أطرافي.. وبقيت حرة، حتى من نفسي.
المهم ياصديقتي، أعلم أنكِ امرأة لعينة وتتمنين مثل باقي النساء اللعينات أن تنجبي طفلا.. وحين تفعلين ذلك أطلقي عليه اسمي، حتى يتمكن من لعنك بالقدر الكافي، لأني حينها –وأتمنى بشدة ذلك– لن أكون متواجدة لأفعل ذلك.
حين أموت بحق الله لا تدفنوني لاتنصبوا لي قبرا وتأتون لزيارتي كل عام. بحق الله كيف سأتمكن من طرد الزوار ولعنهم كما كنتُ أفعل في حياتي؟ أيها الملعونون ضعوا جثتي في الشمس حتى تيبس وآه كم أتمنى لو نهشتني الكلاب.. أريد أن أتحول لشيء آخر.. لا أريد أن تعرف الأجيال القادمة أنني كنتُ أنتمي لكم.
ياصديقتي، يوما ما سأموت منفجرا ولسبب لا أعرفه ستكون جنازتي رهيبة وبينما تبكون سأبصق عليكم من الأعلى. وحين أدخل الجنة سأقبّل الله وأطلب منه أن يميتني مجددا. لن أحتمل أن اعيش حياة أخرى.. وحينها لن أستطيع أن أقتل نفسي لأنجو. يا إلهي لو أن ابي مات في صغره. يا الهي لو أنني كنت نسيا منسيا. يا إلهي.. ( اقطع نسلي، خلصني من هذه اللعنة، من أن يكون لي يوما ثمر. )
لن تصدقي.. هذه الأيام لا أعد الليالي ابدا. إنني حتى لا اعرف التاريخ فأنا اعيش خارج الدوامة الزمنية وقد اضعت ساعتي منذ مدة لا أنهض ابدا من الفراش ولا اقوم بأي عمل, لا أفتح الستائر ولا أميز الليل من النهار. أنا أعيش مثل بهيمة. أحب أن أعيش مثل بهيمة..
لكنني أسمع التراويح و أصوم وهذا يعني أننا في رمضان 2014. مازلت مؤمنة وهذا الشيء الوحيد الذي اتمسك به، ربما لأتخلص من هذه الحياة بأقل خسائر ممكنة. لا تصدقيني إن قلت أنني أفعل ذلك لأنجو. لا أحد ينجو. بإمكاننا أن ننجو مرارا من الموت لكن ليس بإمكان أحد النجاة من الحياة. أتمنى من الله ان لا يدخلني الجحيم فالحياة تكفي .
أوه ياصديقتي لقد كنتُ دائما لوحدي.. تعلمين شعرتُ منذ قليل بأنني أريد بشدة أن أنتحر وقلت في نفسي، عليّ أن أكتب رسالة ما، وأخذت أكتب إليك كمن ينتزع الأشواك من حلقه، أما الآن فأنا لا أريد أن أنتحر! تخيلي! لماذا أنتحر؟ هذا ممل . أنا الآن أريد أن أنام وحسب. إلعنيني كثيرا كثيرا. أحب أن أصير ملعونا . وداعا
.كتبت هذه الرسالة بعدما عزلت نفسي في غرفة المنزل العلوية لعدة أشهر، كنت في السابعة عشرة وأعاني من اكتئاب حاد، ووقتها أنقذتني الرسائل التي كنت أكتبها لأصدقائي ولا أرسلها لهم، من الانتحار. وأنقذني الشعر أيضًا. فكنت كلما شعرت برغبة في قتل نفسي، بدأت بالكتابة. وهكذا، حتى مرت الأيام.
العنوان اقتباس من عبارة الشاعر محمد رشو:” ثق بالكلام الذي يتركه المنتحرون عابرًا في فندق ما.”