وكان صوت حياته القديمة.. يرنّ في ذاكرته.
قال: لا أذكر أي شيء كنته، قبل أن أصير ظلًا.
وقف أمام المرآة، عاريًا.. عاريًا تمامًا. مثلما ينبغي لظلٍ أن يكون.
أخذ يقلد كل الأشياء..
صار كرسيًا وقال: لا أذكر رائحة الخشب القديم.. لم أكنه.
صار مشجبًا وأخذت المعاطف تتدلى من رقبته.
صار بابًا، وأخذ يغلق كل حين، دون أسباب واضحة..
صار ستائر لا تمنع الليل من التدفق..
صار ليلًا يهبط الدرج ويختفي في العتمة.
جرب كل الأشياء وقال: لا.. لم أكنها.
وقف عاريًا أمام المرآة
وكانت حياته ترشح من السقف
و جدران البيت القديم.. كانت تشبه ثوبًا مرقعًا.
وجد جثة رجل تستريح على الكنبة وقال:
لربما كانت جثتي.
فحص معصمه المذبوح بسكين الفاكهة وقال:
يبدو مألوفًا.
راقب نظراته المثبتة على شيء مجهول وقال:
لربما كنت حزينًا وقتها.. لا أتذكر ولا أفهم.. لكن، لربما كنت حزينًا.
يذبح المرء نفسه، أحيانًا، حين يكون حزينًا.
رفع ذراعه المتدلية، وجلس قليلًا..
أناس داخلون..
أناس خارجون
أناس يأتون ويذهبون..
وكان هو، جالسًا هكذا.. لا يأتي، ولا يذهب.
أناس يبكون في كل زوايا البيت..
أناس يسرقون أشياء الميت القديمة
أناس يحملون الجثة ويمضون خارجًا..
أناس يتسللون، واحدًا واحدًا..
من حياته القديمة،
إلى الليل المتعب في الخارج.
صار بابا وانغلق فجأة وراءهم، دون أسباب واضحة.
صار أمًا حزينة، وأخذ يرقب، من وراء النافذة، خطواتهم المبتعدة.
صار يدًا وجر الستائر بعنف، صار يدًا وأغلق النافذة والأبواب المشرعة والمصابيح المضاءة.
صار عتمةً والتحف البيت القديم.. صار وحشةً وأخذ يزفر في الجو.
بدا سعيدًا تمامًا..
وكان صوت حياته القديمة يرن في ذاكرته..
وقف أمام المرآة، عاريًا تمامًا.. مثلما ينبغي لظلٍ أن يكون.. وقال:
الآن.. الآن أستطيع أن أتجول في المنزل..
دون أن ألف مئزرًا حول خصري.
آلاء حسانين
3 أكتوبر 2016.