قصيدتان عن الحب وخيبة الأمل.

الصورة من فيلم وداعًا للغة – Goodbye to Language – 2014 جان لوك غودار.

ضجرة أحاول أن أكتب قصائد حب،
ضجرة أهرب من المنزل مرات عديدة،
و ضجرة أذهبُ إلى الكتابة،
في محاولة لأن أعد النجوم المكسورة في قلبي.

لكن الكتابة لا تأتي
والنهر القريب من المنزل
لا يصلح سوى ممرٍّ للموت.

أكتب إليك وأنا أعلم بأنك لن تأتي
أكتب لأيام أكثر خردة من هذه.

ما فائدة الأيام الحلوة
وأنت لا تجيء إليها

ما فائدة الحُلم
وأنت لن تزورني فيه

ما فائدة الحب في قلبي
وأنا أعرف أنه سيصير رمادًا في فمك

ما فائدة الشِّعر
إن لم تسمع الجثة أغنية أخيرة!

يدك ليست هنا
قلبك بعيد
الأيام المُرة تتراكم
وفي الشتاء
تتكسر أجنحتي

وأنا لا أجيد كتابة قصائد حب
كل ما كتبته كان عن الموت

كل ما فعلته كان لاجتناب الموت
حتى عندما هرعت إليه بنفسي
كان ذلك خوفًا من أن يباغتني.

لكن هذه الليلة
أريد أن أقول: في البدء
ثم أسرد أن حبًا نبع من قلبي
لكنّي لا أستطيع أن أمسّك!
وكل يوم أنام دون أمل

ماذا أفعل ليخفت الألم في قلبي؟
تعلقت بالحب
مثلما تتعلق سمكة في صنارة صياد

وبينما كنت أزداد اضطرابًا
انتحر جاري قفزًا من الدور الرابع
عرفت اليوم مصادفة،
قالوا لي: قفز قرب محطة موليير.

أنا لا أسمع الأخبار
لكن قبل أعوام
غرقت فتاة سورية في النهر
قالوا بأنها هربت من الحرب
ثم جاءت لتموت هنا

النهر ذاته
الذي أمر بجانبه كل يوم
وأخشى أن أموت فيه

حكى لي أصدقاء أنها قريبة لهم
وبالأمس انتحر شاب يسكن بالقرب منّي.

ما الذي يدور في رؤوس الناس؟
لا أحد يعرف
ما الذي يدور في رأسي؟
لا أحد يعرف أيضًا.

أبكي كلما سمعت عن انتحار شخص ما
لأني أعتقد بأنه أوفر حظًا مني
لقد نجا أخيرًا من هذه الحياة السخيفة.

لكنّي لا أستطيع أن أبوح بذلك
لا أستطيع أن أقول: ليتني أنجو
وأنا آكل الغداء في مطعم الجامعة
أنظر لزملائي وأقول: طعام جيد، نو؟

ثم أفكر مرة أخرى بأني أريد أن أنتحر
أني أتعلق دومًا بأناس لا يشبهونني
يرفضونني أحيانًا
ولا يعرفون عنّي معظم الوقت

هذا شكل الحب بالنسبة لي
قالت لي صديقتي: لقد اعتدتِ على ذلك
تظنين بأن الحب له شكل أب متسلط وغائب

الآن عليّ أن أغير ذلك
أن أجدد المفاهيم
أن أنمو
أن أتشافى
أن أعفو عمن شوه الحب في خيالي

وأن أبعد عني تلك الذكريات
لحياة لم أعشها
مع شخص بعيد
وغائب

لكنّي لا أستطيع سوى أن أفكر:
اه لو كنتَ هنا
لا أستطيع سوى أن أتخيل
بأن حبًا له جناحين
سيحط على نافذة منزله

لكن أخبرني حقًا
ما جدوى الشعر إن كنت
لن تقرأه

وما جدوى حياتي
إن كنت غائبًا.

مثلما غاب كل من أحببتهم
كل من أزعم بأنهم أحبوني

غاب الله أولًا
ثم غاب أبي دومًا
وتتابع أصدقائي في الغياب

غابوا موتى
غابوا حزانى
وخائفين.

هل هذا منبع جرحي؟
الغياب.

هل هذا شكل الحب حقًا؟
جميل وغائب
جميل وميت
جميل وبعيد عن يدي.

قالت لي صديقتي:
لا تعرفين شيئًا عن طفولته
عن حياته
عن نظرته للحب والمرأة
أنت تحبين صورة في رأسك.

وحاولت أن أفهم الأمر
هل أحب فعلًا صورة
غذيتها في خيالي
حتى صارت قصة حب هائلة؟

تقول صديقتي الصدق دومًا
لكن أحيانًا لا أريد أن أسمعه
إنه مؤلم للغاية
ويقبض قلبي.

لكني أسمعه بالرغم من ذلك
آخذ الكلمات وأغرسها في قلبي
كأني أزرع زهورًا للأمل

كأني سأستيقظ ذات صباح
وقد فهمت نفسي
وقد عرفت ما أريد فعله حقًا
وقد تخلصت من ذاك الألم الهائل
الذي يولده الحب غير المكتمل

لكن يراودني سؤال آخر
هل على الحب أن يكون متزنًا؟

أنا أحب بطريقة صارخة
كأني سأموت بعد قليل
وأصدقائي يمنطقون المشاعر
يساعدوني على تحليلها
حتى يفقد كل الحب حياته

أحيانًا يساعدني أن أفهم
أسباب ألمي
أحيانًا يساعدني الوصول إلى الجذور
قطفها إن كانت سامة
ريّها إن كانت صالحة

لكن أحيانًا كثيرة
أريد أن أهيم وحسب
دون أن أنتبه
لما ينزف في الداخل.

أريد أن أستمتع
بكوني أحب شخصًا ما
حتى لو كان لا يعرف عني
حتى لو أن هذا الحب
كثير
وجارح للغاية.

٢-٤ ديسمبر ٢٠٢٤

انتهيت من كتابة قصيدة
ثم بدأت بأخرى
ربما سأكتب عن خيبة الأمل هذه المرة
عن الدموع التي تتجمع في العينين
دون أن تقدر على إطلاق سراحها،

لقد تخلصت من حبي لك
مثلما أتخلص من العفن في الفاكهة
لا أعني أن حبك كان عفنًا
إنه تعبير شعري وحسب.

لكنني تألمت كثيرًا
دون أن أقدر
على إزاحة الحجارة من صدري

لم أفهم لماذا يسبب الحب كل ذلك
لكن ربما لأنه يعود بنا إلى الجذور
إلى المناطق المظلمة
التي لم نقدر على معالجتها

قلت لي بأن الكتابة تشبه العلاج النفسي،
لذلك كتبت وكتبت دون توقف
حتى أقدر على التشافي منك

كل شهيق كان يؤلم
كل زفير

كل نظرة إليك
خبأت خلفها رغبة
في أن أكتشفك أكثر

كل اختلاس إلى ضحكتك
كل تمريرة عين على عروق يديك

راقبتك كثيرًا
عاملتك برقة
وصافحتك عن بعد

لكن كل نفحة هواء تمر
كانت تذكرني بك

حتى أوراق الشجر اليابسة
وهم يزيحونها بعيدًا
حتى السحاب وهو يمشي
من حيٍّ لآخر.

أجلس طويلًا
كمن افتقد ذكرى الله
في قلبه

وأقول: هل كان الأمر يستحق؟

أستمر بكتابة قصائد متهالكة
ملأى بالخوف

أستمر بالمشي
دون أن آبه لآلآم العظام

أستمر بحبك
دون أن أعي
جدوى هذا الألم

لكن اليوم قررت التخلص منه
قررت الوقوف في الساحة
وتدخين السجائر
حتى تخرج كل الأفكار المريضة
من رأسي.

كان زكريا يقول
بأنه يجلس على حجر
ويدخن

كان يقول بأن الدخان أزرق
ومعه تخرج الذكريات

زكريا هذا كان صديقي
كان شاعرًا
ومات.

نظرت إلى دخان السجائر اليوم
لم يكن أزرقًا
أو أرجوانيًا
كان مجرد رماد وحسب

لم أستطع ابتلاع الطعام
وشعرت بتجويف عميق
شعرت بأن في رئتي
آلاف الذكريات
التي لم تخرج مع الدخان

لكنني خائبة الأمل يا زكريا
على جلدي بقع زرقاء
بقع بنية
ولا أتمكن من التنفس عميقًا

لا أدرك منبع الألم
ولا أعرف طريقًا للرضا

أكرر الأيام
أكرر الأخطاء
وأحيانًا تسعدني أخطائي
تمنحني اللذة
تمشي معي بروية على ضفاف الأمل.

لكنني ما زلت أدخن كل يوم
علّ الذكريات تخرج من رأسي
مثلما نصحتني مرة قبل أن تموت

لكن في رأسي طرق وعرة
كثيرة
في رأسي مسافات
وأصدقاء
وأحبّة

في رأسي ريتا
صديقتي التي أكلتها الذئاب
دائما هناك ذئاب في كل القصص
وريتا كانت صغيرة وقلبها دافئ
وكان لها عينان لوزيتان

لم أتحدث عنها منذ زمن
لم أقل يومًا: إلى أين ذهبت يا ريتا؟
فقط جلست على حجر زكريا
وتأملت بأيامي

ما زالت ريتا تتبعني
ما زالت ذكراها تهز سريري

وما يزال أيمن بنظرته المجروحة
ينظر إليّ

ولأني لا أريد أن أنظر إليه
لا أريد أن أعود للخلف وأقول:
هنا مات أصدقائي

لا أريد أن أعدُّ الجثث
أجلس على حجر زكريا وأدخن
وأفكر باليوم
بأني أريد أن أخرج رجلًا من قلبي
وأني خائبة الأمل في الحب
وأن أحلامي سالت مثل دموع سوداء

لذلك كان من الأسهل أن أنسى أصدقائي
أن أنسى ريتا وأيمن وزكريا
أن أشير للرجل الذي أحببته في صباي
ب: ذاك الذي رحل

ألا أتحدث عن القاهرة وهوائها المترب
أن أتوقف عن الكتابة أشهرًا أو حتى سنوات
ألا أنتبه لحياتي التي فاتت والتي ستجيء

أن أقف على حجر وأسقط
أن أقعد على حجرٍ ثم أنام

أن أشغل نفسي بخيبات أمل طفيفة
مثل أن أخرج من قلبي حبًا رديئًا
بدلًا من أن أنادي على من ماتوا.

هل هذا حب؟
هل هذه كراهية؟
هل هذا وجع في العظام؟

أحيانًا أتمنى لو أنني كلب
سقط من على جرف ومات

لكنني إنسان له ذاكرة
معبأة بالقصص

له جرح
تتشمم دمه الذئاب

له أصدقاء
وغابوا

وفي قلبه خيبة أمل واضحة
كانت نجمة ماتت
كانت حلمًا تعفن
كانت ذراعان مفتوحتان
لاستقبال الأمل.

٤ ديسمبر ٢٠٢٤

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *