يختلط ضوء فيك وفيَّ.
من نوافذ الألم المتصدعة، أحاول استراق النظر إلى حياتيْنا، أتكئ على أيامك، وتتكاثر فراشات زرقاء على خاصرتي. لقد مضت السنوات الحزينة، وأيام الانتظار المُر، لشيء أدركه الآن. يمكن لك أن تسرق قلبي، يمكن أن تحمله معك. كيف أتذكر الفرح؟ كيف أذكره؟ إنه واضح، ولامع، حتى في تشوشه، مثل أثر قبلة على الزجاج. في حضورك، يمكن لكل شيء أن يكون مختلفًا، حتى الألم. من نوافذه أنظر إليك، وأحاول أن أدع الماضي يغادر خفيفًا، زاحفًا إن أراد. لكنّي أريده أن يغادر. أغمض عينيّ، وأتذكر رجالًا تتابعوا على وسائدي، أغمض قلبي: لا أريد غيرك الآن، تغمرني بالحب والرأفة. ربما لا أعرف الحب، ربما لم أعرفه. لكنّي أدرك الرحمة، حين تكون طبعًا، مختلطًا بالدم.. لم يعد في قلبي غضب، تسلل من ثقب في الباب، لم يعد في قلبي حزن، فقط آثار خطواته متيبسة، فوق عظامي. تنفضه، تلعق الجروح، تقبّل عينيّ، و أضحك. كيف أشرح بالعربية نغمًا، كيف أقول لك” بلاش تبوسني في عينيا، دي البوسة في العين تفرّق.” أحاول، وتضحك على نغم يعبر فوق لغتي ولغتك. شغوف أنت بيّ، تحطم القسوة التي عرفتها. أنظر إليك، واقفًا بانتظاري، ما الذي فعلته لأستحق هذا؟ ثم أدرك الحب، وأعرف أنني لا يجب عليّ فعلُ شيء لأُحَبّ، وأنني أُحِبُّ.. وعيناك تنظران إليّ. يستحق كل يوم أن نفتح لأجله زجاجة شامبانيا، تستحق الأغنيات أن تدور وتدور، تستحق المراثي أن تنسحب بعيدًا الآن. لا أريد أن أكتم الكلمة المحِبّة، لا أريد أن أشعر بالحب مختنقًا في قلبي. أقول لكَ: أنت حبيبي، بلغتين أقولها، ولا أدرك مصبّ الحب. شيء ما ينبض، شيء ينساب، وأيامي تنجو بك. ما الذي يعرفه العالم عنّا؟ يمكن لقبلة عشقنا أن تحيي أشجارًا ميتة، يمكن لي أن أحيا من جديد. أردد” تحت الياسمينة في الليل”، مرة أخرى، وأغني للعالم، بحفيف صوتي، أمشي على أناملي، لا أريد أن أوقظ الحياة،حياتي. نائمة هي بين ذراعيك، ترعاها مثل ابنة لك. أنظر لكما، وأفكر بالتهام يدك، لماذا أحببتك أنت بالذات؟ لا أقدر أن أراوغ الرغبة. لماذا يدك أجمل يد؟ لماذا قلبك أجمل قلب؟ ولماذا تنازعني الرغبة في التهامك؟ علّ شيئًا في قلبي يهدأ، لا أقدر على حمله. حين تكون حاضرًا، ينشط سرب نمل في دمي، وحين تغيب، يجتاحني ألم مُر، وأعرف أنك ستعود بعد دقائق. لكن الدقائق ثقيلة، أتسلقها، أجتازها، أعبر الوقت، وأحيانًا، يعبر فوقي. معك أتمرن على الحبِّ، وأحاذر التفكير بمستقبل ما، أقبض على اللحظة. لم أكن أريد أن أحبّ، حماية لتهشم قد يحضُر. لكنك تقول لي: لا تكوني قلقة، وتبتسم. كيف تعرف ما أفكر فيه؟ تجيب: أعرفكِ كلكِ. يطير قلبي ولا أعرف، حبّا أو خوفا، فأحيانًا لا أفرّق. أتنفس، أسحب الهواء كله، أهدئ نفسي، غير مؤلم أن يعرفنا أحد، غير حلو أيضًا لمن اعتاد الانقباض. غير أني لا أفكر، أترك الوقت يسير هائمًا، أتركه يتأرجح أمام ناظريْنا. لا ارغب بالسؤال، تحدثني عن حُلوِ الحياة، وأكاد أصدقك. تكلمني عن السعادة، ولا أشعر بفوات الأوان.. ملمس السلام على قلبي، له طعم بارد، كأن يقف تحت المطر، شخص يعشق المطر. قلبي إناء يجمع حبك، قطرة قطرة، وأنت تغدقني، ترويني، تغمرني، وأنا لا أعرف. أفعل ماذا؟ هناك شيء عذب في هذا الألم، شيء حلو في هذا الغياب، شيء أليف في هذا الابتعاد. خطوتك تمشي للمطبخ، وأسميك مبتعدًا، ما دمت بعيد عن ناظري. تذهب إلى البقالة، وأحس بمُرّ في قلبي، وأرغب أن أبكي: لماذا أنت بعيد؟ لكنّي أتماسك، أمامك، أمام نفسي، أمام الحياة. أحبكَ بوعي من أراد أن يُحبَّ، من رغب بالحب، من آمن. يختلط ضوء فيك وفيّ، تختلط حرارة، وأمنيات. شيء في الهواء يجعلني أتعرف عليك، أشتَمُّك، أدركك. شيء في إعارة الانتباه لما خفي، لما ذبل أو كاد. هل تبقى صاحيًا؟ أنازع النوم، وأمد يدي، لآخذ ما استطعت أن آخذه، من سعادة أقسمها بيننا. نتشارك السجائر، ألتحف ذراعاك، جسدي يلمس جسدك، نصير واحدًا، ويعيرنا العالم كل الاحتمالات.