شبح الأم
تمشيت وحدي في سنتر أنجي اليوم
ثم جلست في بار آخر لأريح أقدامي
رأيت ذلك الشبح جالسًا في الكرسي المقابل
وحاولت ألا تقع نظراتي عليه
أخرجت دفتري الأسود وحاولت أن أكتب عن أي شيء
لكن الشبح أخذ يحدق فيما سوف أكتبه
انزعجت طبعًا!
لا، لن أكتب عن أمي
ولا عن الذكريات المرة التي تلسع عقلي
أو عن هذا الشبح الذي يجلس طوال اليوم على كتفي
وحين أصحو من النوم أجده مقرفصًا على طرف السرير
أنهض لأدخل الحمام فيزحف خلفي
مثل ثعبان أو مثل قط
أصنع القهوة
أجلس أمام التلفاز وأقلبه بضجر
فألمحه بطرف عيني جالسًا بالقرب
لكني أعامله مثلما اعتادت أمي أن تعاملني:
وكأنه غير موجود.
أحيانًا أرغب أن أقول له:
ألا يمكن فقط أن تتركني وشأني؟
لكني حتى هذا لا أقدر عليه
تصوره غائبًا أصابني بالفزع
مثل فكرة أنني قد أكون استدعيته دون وعي مني
أنني أيضًا أبقيه بالرغم من انزعاجي
ربما ما زلت لا أصدق أن أمي تركتني هكذا أذهب وحسب
أسمع أن الأمهات يخرجن بحثًا عن بناتهن الغائبات
يراسلنهن حينما يكن في بلاد بعيدة وباردة
حتى لو غادر الأبناء غاضبين وباكين مثلما فعلت
حتى لو هددوا بأن يغيبوا إلى الأبد
لكن لسوء الحظ
أعرف أن أمي لن تفعل ذلك
لن تقبل حتى أن أعود إليها دون أن تمعن في إهانتي
ستنآى بنفسها عني أولًا
سترغب أن ترى دموعي
وأن أعترف بأخطاء لم أرتكبها
أخطاء ارتكبتها هي على الأرجح
وحتى بعد ذلك
ستجد أسبابًا كثيرة لعدم المغفرة لي
لأني تجرأت مرة وفجرت مشاعري المُرة أمامها
لأني تمكنت أخيرًا من أن أقول لها:
لقد آذيتني كثيرًا في حياتي.
لو عدت إليها
فسأكون دخلت بقدمي إلى المصيدة
مرة أخرى
ستبدأ بالانتقام
بالهجر مرة
والمعاملة الصامتة مرات
وسواء فعلت هذا بوعي أو بدون وعي
أعرف أنها ستتلذذ كثيرًا ذلك.
ربما عليّ الآن أن أقبل بأني ذهبت أخيرًا
وأن هذا الذهاب أكثر ما تمنيته
أن أتوقف عن أنتظر منها أن تصبح أما
أو أن أترك بابي مواربًا لها
لربما تأتي مرة في الليل
وتفرد الغطاء على جسدي البارد
ربما عليّ أن أقبل
أني الآن في بلاد بعيدة جدًا
وأن هذا
ربما أراح أمي
وربما أعجبها.
لكني لن أصبح طيرًا غادر العش ومات بردانًا
سأجد الدفء في أعشاش كثيرة ومنازل وحانات
سأفتح قلبي للعالم
لكل الأمهات اللواتي يغمرنني بأمومتهن
لقد قبلني العالم
وأحبني
ولا يهم أن أمي لم تستطع فعل هذا
سأحلق بجناحيّ اللذين صنعتهما بيديّ
وسأقول بأن أمي لم تستطع أن تكون أمًا
لكن لا بأس مع ذلك
يا شبح الأم
هيّا
غادر
يا شبح الأم!
لقد تلاشى.
15 -1 – 2023