مسافات ومسافات
أرغب بقول الكثير من الأشياء
لكن لا أعرف ماهي بالضبط
قطرات من الماء البارد تتساقط في قلبي
وأنا لا أفعل شيئًا حيال ذلك
لا أرغب بالكلام أو الحركة
أو الايماء لتحايا الآخرين
أو الهرولة لاحتضان أحد ما
أود أن أصير نبتة
لا تتحرك سوى باتجاه الشمس
الأوراق تتساقط في كل مكان
وفي بعض الأحيان
حين تسقط على كتفي ورقة ما
أقول: مرحبا لك أيضًا.
لكن اليوم لم أقل شيئًا للأوراق المتساقطة
قلبي صار ضيقًا جيدًا
لا يكفي حتى لعبور دمعة
بالأمس قابلت الكثير من الناس
لم أشعر أن أحدًا منهم يمكن أن يصير صديقي
لم أستمتع بدحرجة الكلام أو الضحك
ومر الدم في عروقي ببرودة شديدة
وفي المساء كان قلبي قد تجمد أكثر فأكثر
شربت الكثير من الواين لكن ذلك لم يغير شيئًا
ترسبت البرودة على سطح الأمكنة والجلود
ولم أستطع منح الحب أو استقباله
شعرت بباريس تتسع مسافات ومسافات
وقاومت الرغبة بتسمية كل تلك الشوارع الغريبة: موطني.
لم أشعر بالراحة بقية بالمساء
ولا عندما استيقظت في صباح اليوم التالي
بقيت النهار كله في السرير
وحين خرجت بعد ذلك لشرب القهوة مع شخص ما
انكمشت على نفسي أكثر فأكثر
وكان ظاهرًا إحساسي بعدم الألفة
فقط رغبت بالعودة مرة أخرى إلى المنزل
أشعر بذلك دومًا في النهارات التي لا تشرق فيها الشمس
لكن أحاول ألا أنحاز إلى هذا الاحساس بعدم الرغبة في الحياة
إلى تساؤلي حول حقي بتسمية هذه الغرفة في باريس منزلًا
المبالغة بالحاجة إلى المنزل والوطن والعائلة
ومحاولة البحث عنهم في كل مكان
أمشي وحدي خطوات بسيطة
وأفكر أحيانًا: هل ابتعدت فعلًا عن المنزل؟
لكن أفكر مرة أخرى: أي منزل؟
لقد عشت في أحد عشر منزلًا في حياتي
وتوصلت في النهاية إلى أن المهم هو العثور على مكان للنوم
وبطانية ذات جودة حسنة
وحذاء يصلح للمشي الطويل
وأن ابتسامة الغرباء لها نفس وقع ابتسامات الوالدين
الرغبة بالموت مماثلة للرغبة في الحياة
وكلاهما لا يعنيان شيئًا
فالشعور بالثقل طبيعي مثل الشعور بالخفة
وكلاهما مهمان للعيش بتوازن
النهار يهبط ويعلو
ولا جدوى من محاولة البقاء في الأعلى طوال الوقت
المهم هو إيجاد طريقة ما للتعامل مع الغرابة
وأنا سأعد الشاي لكلينا
سأفتح الباب لأيامي الصعبة
وأنفض المطر عن معطفها الجلدي
سأحتضنها حتى وهي كئيبة ومتسخة
وأقول:
لدي مكان إضافي للنوم
ومرحبًا في أي وقت.
١٠ نوفمبر ٢٠٢٢
من مجموعة: زقاق ضيق يذكرني بالمطر.
- قيد الكتابة –