الفنان صلاح المليجي:” الطبيعة أكبر مؤثر في تجربتي الفنية والإنصات للحياة موهبة عظيمة تغذي الفنان الحقيقي”
حواري مع الفنان صلاح المليجي في مجلة اليمامة الثقافية، وحديث حول معرضه ( أشجار وأرواح )، فبراير 2020.
المرسم – آلاء حسانين
دفعه حب الطبيعة ونشأته بالقرب من البحر في مدينة السويس، ثم في وسط الجبل في مدينة العياط/ الجيزة أثناء انتقال عائلته إلى بيت الجد بعد الغزو، إلى تنمية الحس الفني لديه، ومن ثم، وبسبب إنصاته الطويل للطبيعة وللحياة، تمكن من ابتكار لغة للتواصل بينه وبين الشجر، بين فروعه بالأخص، بين الطيور، النوارس، والطيور «المكببة» وهي الثيمات الأساسية في لوحاته، حيث بدأ الرسم طفلًا، لوّن قبل أن يكتب، نقل بلغته الخاصة ما كانت تمليه عليه الحياة، في حفيف شجرها، وهذيان بحرها المتواصل، حيث رسم كنوع من التعبير البدائي، الفطري، على جدران المنزل والكتب المدرسية التي امتلكها إخوته، ولأنه كان أصغر إخوته، أعطاه ذلك الفرصة للمرح بحرية، والتلوين في الصفحات الأخيرة الفارغة من كتب الدين، أو تحويل المنزل بجدرانه البيضاء المستفزة، إلى جدارية كبيرة، سجل من خلالها هذا الطفل دهشته الأولى، تعرفه الأول على الأشياء بملمسها الطازج، نقل الحياة من خلال عينيه وقلبه، دون أن يدرك أن ما يقوم به، بدون وعي محكم أو تخطيط، وبإصرار شديد، يشبه إصرار الإنسان البدائي، الذي أقر وجوده بنقشه على العظام والجدران والجلود، فقد مثلت له حياته أهمية كبيرة، إلى حد أنه اهتم بتخليدها، ومن هنا تأسست أهم الحضارات والفنون، من اعتداد الإنسان بذاته، من هذه الرغبة في أن يقول لمن سيأتي من بعده: لقد وُجدت هنا ذات يوم، وانظر إلى ما تمكنت من فعله.
وهكذا، بدأ الفنان صلاح المليجي الرسم أول مرة، بدافع فطري، وتأكد كلما تقدمت به السنون، أن هذا ما يرغم في الاستمرار بالقيام به بقية حياته، فقد واجه أهله حينما كان في الثانوية برغبته في الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وقد كان هذا صعبًا في البداية، لأن جميع إخوته الكبار كانوا صيادلة، وفوجئوا بقراره، حيث قالوا له بأنه سيكون بلا مستقبل، وربما لن يصبح اكثر من مدرس رسم. لكن والدهم قال لهم: دعوه. فالتحق بكلية الفنون الجميلة، رغم كل المخاوف، والتهديد بمستقبل غير مضمون، بناء على الواقع الذي يعيش فيه معظم الفنانين في البلاد العربية، غير أن شغفه بالفن، تغلب على كل ذلك.. حتى أصبح فيما بعد معيدًا بكلية الفنون الجميلة قسم الجرافيك، ثم أستاذًا بها ثم رئيسًا لقطاع الفنون التشكيلية خلال الفترتين ( سبتمبر 2011 – مايو 2013) ويعمل الآن أستاذَا بكلية الفنون الجميلة.
وخلال اللقاء بالفنان الدكتور صلاح المليجي، في معرضه الذي افتتح في جاليري ضي للفنون يوم السبت 1 فبراير 2020 تحت عنوان: ( أرواح وأشجار) قال بأن المناصب التي شغلها، جاءت إليه هكذا، وبرغم أنه قام بدوره على أكمل وجه، غير أن رغبته الأصلية والحقيقية في هذه الحياة، كانت: أن يرسم وحسب.
ومنذ سنوات طفولته الأولى، اعتبر الرسم»ملعبه» فلم يحب القيام بأنشطه أخرى اهتم بها معظم الأطفال في سنه، مثل كرة القدم مثلًا، واعترف بأنه لا يجيدها حتى الآن، فلم يحبذ في حياته اللعب خارج الفن.
وهكذا كانت السنوات الأولى في حياة الفنان صلاح المليجي، حتى التحق بالمدرسة في السادسة من عمره، ولاحظوا فيها موهبته في الرسم، إلى حد أنهم كانوا يحتفظون برسماته، ولم يكن الفنان يدرك اختلافه وتوفقه الواضح في هذا المجال، فبحسب ما يقول، كان يظن حينها أن بأن الجميع بإمكانه الرسم واللعب بالألوان مثلما كان يفعل.. وأن العالم كله شغوف بالرسم مثله، حيث كان يرسم بكثافة شديدة، على كل شيء يراه، ومن حسن حظه أن والداه لم يمنعانه من الرسم على جدران المنزل، أو في أي كتاب يراه أمامه، برغم خوف إخوته الواضح من ميوله الفنية، التي طغت على كل شيء آخر في الحياة، حتى اليوم. إذ يقول الفنان صلاح المليجي بأنه ما يزال يرسم كل يوم، ولوحاته الصغيرة ينفذها يوميًا، أما لوحاته الكبيرة والتي تطلب الكثير من الاشتغال، فقد تأخذ عدة أسابيع حتى إتمامها.
يرسم الفنان صلاح المليجي لوحات سريالية، غير أنها ليست غارقة في السريالية وأحلام الطفولة، لكن يغلب عليها الطابع الفانتازي، فهو لا يقلد الطبيعة مباشرة برغم تشبعه الكبير بها، بل يرسم صورًا في رأسه، تتسلل إليها الطبيعة بفروعها، وطيورها، ومراكبها، كما تمتلئ لوحاته بالزرقة، التي تشبع بها، بسبب نشأته بالقرب من البحر. ويحكي الفنان صلاح عن عشقه للطبيعة والخلاء، وعدم تحمله العيش الطويل في المدن، فقد تأثر بالحياة التي عاشها في الجبل عند أقاربه، ورحلات الصيد، واليمام، وصوت حفيف الأشجار الذي أحب الاستماع إليه في طفولته، وسماء الجبل الصافية، وكل ذلك أثر عليه وعلى فنه، فقد اعتبر أن الانصات إلى الحياة موهبة أخرى، وقلة من يتمتع بها، لأن معظم الناس مشغولون عن الانصات إلى أصوات ذواتهم وأصوات الحياة. وربما لهذا السبب سمى الفنان ىمعرضه الأخير ب»أشجار وأرواح» لاعتباره أن لكل شيء في هذه الحياة روح، وحس، حتى الجمادات، تمتلك نوعًا من الحس الخاص. وحكى عن تأثره بوفاء شجرة جده، حيث ذبلت وماتت بعد موته بمدة قصيرة، بدون سبب واضح غير افتقادها له ولطاقته وحسه وهالته التي اعتادت عليهم.
دمج الفنان في لوحاته الشجر بالناس، حيث نرى في لوحاته بشر متشجرون، البعض يشبه الصبار، والآخر يشبه شجر الجازورين، وصوته في الهواء الليلي، الذي أوحى له بأشياء كثيرة، بعضها قد يكون موحشًا، لكنه أثر فيه بشكل أو بآخر، وأثر في لوحاته.. ودفعه تعلقه الكبير بالطبيعة في طفولته إلى السير مسافة 8 كيلو متر على قدميه، ليبيت في منزل عمه في الريف، حتى يتمكن من الإنصات إلى شجر الجازورين، وينام على نداءاته، ثم يصحو لتأمل الصباح في الجبل، والطيور التي يكسر نغمها رتابة صوت طاحونة الهواء القريبة من منزل عمه، وبعد ذلك يعود هذه المسافة مشيًا على قدميه أيضًا.
أنجز الفنان المليجي معظم لوحات معرضه الأخير في الصين، أثناء إقامته الفنية في مدينة جوانلان بالصين عام 2019، كما امتدح هذه الفترة قائلًا بأنه من المهم للفنان أن يختلط ويحتك بفنانين من ثقافات أخرى، ليعرف كيف يتلقون الحياة ويتفاعلون معها، ففي النهاية قد يرسم كل فنان الشيء نفسه بشكل مختلف، من خلال منظوره ورؤيته والثقافة التي قدم منها أو تأثر بها، وعلى الرغم من أنه تأثر بالطبيعة والشجر في الصين أيضًا، غير أنه في النهاية رسمه بطريقته وبعيون مصرية.
يستخدم الفنان صلاح المليجي الإكريلك في رسم لوحاته، ويرسم بدون حدود، حتى أنه ذات مرة قام برسم» الهواء» في مجموعة أسماها» كوم الهوا» على اسم منطقة سمعه مصادفة، وقال بأنه لم يستطع أن يخرج الاسم من عقله لمدة طويلة، إلى درجة أنه أوقف مجموعة كان يعمل عليها عنوانها:»إيقاع»، ولم يعرضها حتى هذه اللحظة، ثم نفذ مجموعة» كوم الهوا»، التي فاز بها بجائزة دولية في صربيا عام 2002، ورغم ذلك قال الفنان صلاح بأن هذه المجموعة تعرضت كثيرًا لسوء الفهم، ولم يفهمها غير قلة من الناس، منهم الفنان فاروق حسني، الذي حضر معرضه ثم أوقفه قائلًا:» يا صلاح، إنت راسم الهوا؟» وهذه المجموعة كانت تحاكي حالات التشظي والطيران.
فاز الفنان صلاح المليجي بأكبر من خمسة عشرة جائزة دولية ومحلية، كما أقام الكثير من المعارض الخاصة والمحلية، ومن مجموعاته في الجرافيك (الرسم – التصوير – الطباعة ) :
• الفضاء من 1979 حتى 1985
• الطائر من 1985 حتى 1991
• الرموز السحرية من 1992 حتى 1996
• طقوس السطح من 1997 حتى 200
• كوم الهوا من 2006 حتى 2002
• عش عصفور من 2006 حتى 2007
• مجموعة في الليل ( أشعار وجرافيك ) 2008
• مجموعة التصوير زبد البحر ( 2007 – 2008)
• مجموعة التصوير البحر 2009
http://alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=2511