أفكر في الإحتمالات.
أفكر في الاحتمالات:
ماذا لو أنني لم أنج في التاسعة عشرة،
حيث نهارات كثيرة تداعت
فوق جسدي الهش.
ماذا لو غرقت في حقول القطن،
والشمس الصفراء أعمت عينيّ.
صغيرة ويانعة
صليّتُ من أجل الرحيل،
خدشت معصمي بزجاج مكسور
الآثار ما تزال واضحة
والذكرى تخمش عقلي.
آنا تقول
-وهي تُلصق الوشم فوق ذراعي-
“هل ترغبين أن أغطيها؟”
وهززت كتفي:
لا أهتم.
قادنا هذا إلى الحديث:
عن الأزيز في الرأس،
عن ذاك الزن في الدماغ
فكرة وراء فكرة
عن صوت ما يطالبك بالرحيل.
عن المحاولة في الحياة عوضًا عن ذلك،
أو البقاء ملتحفين في السرير طوال الوقت.
وأنا تساءلتُ:
ماذا لو انتحرتُ فعلًا في التاسعة عشرة؟
حيث يراعات صفراء تدور تحت جفني
وأمواج كثيرة في الرأس
تعلو وتهبط،
تذهب وتجيء.
حيث اعتدت الشعور بدمي
يسير بثقل في عروقي
دم أسود، دم يائس.
وقلبي هش ومركون مثل مركب محطم.
آنا تحفر التاتواج على ذرعي،
تاتواج اخترته للملكة إيزيس
فاردة جناحيها.
قالت لي: إنه يشبهك.
وفكرت بأجنحتي
التي تذبل وتتداعى،
كلما تقدمت في العُمر
كلما مشيتُ بضع خطوات.
اليوم
لم أعد أريد أن أنتحر
أن أرحل مثل آن سكستون
دون شيخوخة أو مرض.
حتى لو لم أدرك فعلًا
ما الذي أريد جَنيه
حتى لو أن روحي المعذبة هدأت
ولم أعد أميل رأسي الثقيل على جانبه
لم أعد أسمع صوت أمواج تتلاطم.
هل نجوتُ حقًا؟
من نفسي،
من رأسي،
من الأيام الغائمة..
اتضح في النهاية
أن ذاك الثور الهائج في عقلي
مجرد مرض ما،
وفي الأيام التي أنسى فيها أن آخذ دوائي
أصبح منزعجة للغاية بقية النهار.
أجلس في بهو الجامعة
أستمع إلى أغنية ما
أهز قدميّ
أقرأ سيلفيا بلاث
وأفكر بأني قد فقدت حقَّا
الاتصال بروحي المُعذَّبة
التي رافقتني طويلًا.
أحيانًا أشعر أنها حياة فائتة
تلاشت مثلما يتلاشى ضوء النهار
وأحيانَا أظن بأنها محض حلم ما
عبور البحر
الرحيل بعيدًا
والخوف الذي يُجمد الأطراف.
الآن،
وأنا على مشارف الثلاثين
وقد حدقت في عيني الموت
تجاوزت الحرائق
روضتُّ الذئاب
وهدهدت الضياع.
أفكر بالاحتمالات
وأضع يدي في يد الحياة:
أريد أن أجرب الحزن العادي
والسعادة إن كانت موجودة.
أريد أن يجدني الحب،
وأن أطأ أرضًا آمنة.
أن يكون لي منزل في مكان ما
وأن أتوقف عن الركض هاربة في أحلامي.
أريد
أيتها الحياة
أن أكون أمًا
لا تنتحر في المرآب،
ولا تضع رأسها في الفرن.
أمّا لا تنفي نفسها إلى حياة أخرى
أما سعيدة وعاديّة،
لا تصارع مرضًا
أو كآبة.
أريد
كاحتمال وارد
أن أنجو تمامًا
أن أُغلّف بالحب
أن أُغمر به،
فإن بالحب وحده
قد يحيا الإنسان.
22 أبريل 2025